المغرب

مدارس الريادة بالمغرب.. إصلاح تربوي طموح بين رهانات التعميم وتحديات الإنصاف

تسعى المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة إلى إعادة رسم معالم منظومتها التعليمية عبر إطلاق مشاريع إصلاحية طموحة، وفي مقدمتها مبادرة مدارس الريادة التي وُلدت لتشكل منعطفا جديدا في طريقة التعلم وتكوين الناشئة. هذه التجربة التي انطلقت في عهد الوزير السابق شكيب بن موسى، لا تقتصر على تطوير المناهج فحسب، بل تروم إحداث ثورة داخل القسم، حيث يكون التلميذ في قلب العملية الإصلاحية، في انسجام مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية المغرب لتعليم حديث ومندمج.

تقوم مدارس الريادة على أسس واضحة، أبرزها إدماج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) ضمن مناهج مبتكرة، وتنمية المهارات الحياتية والريادية لدى المتعلمين. كما تراهن على تعزيز التفكير النقدي والابتكار، وغرس روح ريادة الأعمال، وتطوير الكفايات الرقمية، بما يمكن التلاميذ من مواجهة رهانات سوق الشغل بعقل منفتح وكفاءات عملية.

وتتميز هذه المدارس بفضاءات تعليمية متطورة تشمل قاعات رقمية مجهزة بألواح ذكية وأجهزة لوحية وإنترنت عالي السرعة، إلى جانب مختبرات علمية وتكنولوجية متخصصة في البرمجة والروبوتيك. كما يعتمد التكوين فيها على التعلم بالمشاريع والأنشطة التطبيقية، مع مواكبة خاصة للتلاميذ لإنجاز مبادرات ريادية بسيطة مثل التطبيقات الرقمية أو المشاريع الاقتصادية المدرسية.

وزارة التربية الوطنية وضعت معايير دقيقة لاختيار المدارس المؤهلة، من بينها البنية التحتية المتوفرة، والاستعداد الإداري والتربوي، والموقع الجغرافي لضمان التوازن بين الجهات. وقد شملت التجربة عددا من المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء وفاس ومكناس وأكادير وطنجة ووجدة، على أن يتم تعميمها تدريجيا لتشمل باقي المناطق بما فيها القرى. كما تعتمد المبادرة على شراكات مع مؤسسات دولية ووطنية في مقدمتها البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واليونسكو، إضافة إلى شركات تكنولوجية تسهم في توفير التجهيزات والخبرات.

ويرى الدكتور طارق عبيبو أن مدارس الريادة تمثل شكلا جديدا للتعليم في المغرب، إذ ركزت على التلميذ كفاعل أساسي في عملية الإصلاح. وأكد أن الفرق بدا واضحا لدى التلاميذ والأسر والمدرسين بين المؤسسات التي شملها المشروع وتلك التي لم تستفد بعد. لكنه في المقابل شدد على أن نجاح التجربة يظل مرهونا بميزانيات ضخمة، بالنظر إلى كلفة البنيات والتجهيزات والتكوينات، مشيرا إلى أن المشروع الذي انطلق بتغطية لا تتعدى 10 في المئة من المدارس وصل اليوم إلى نحو 40 في المئة، مما يطرح تساؤلات حول المعايير المعتمدة لتوسيع الاستفادة، في ظل غياب تكافؤ الفرص بين التلاميذ.

أمام هذه المعطيات، يظل رهان تعميم مدارس الريادة على جميع المؤسسات التعليمية هو التحدي الأكبر لضمان عدالة تربوية حقيقية، وتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في جعل التعليم المغربي قاطرة للتنمية، ومجالا خصبا لإنتاج جيل مبدع، مبتكر ومؤهل للاندماج في اقتصاد المعرفة والمجتمع الرقمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى