العالم

محاولة تهريب الحشيش عبر البريد في سبتة بين ابتكار إجرامي مكشوف وتشديد الرقابة الأمنية تحولات في أساليب التهريب وحدود فعاليتها

تكشف قضية الشاب المنحدر من مدينة سبتة، الذي جرى توقيفه وإيداعه السجن الاحتياطي بإسبانيا بعد محاولته إرسال كمية مهمة من الحشيش عبر البريد، عن تحول لافت في أساليب شبكات الاتجار في المخدرات، وعن هشاشة بعض الحيل التي يظن أصحابها أنها قادرة على تجاوز أجهزة المراقبة. فالطريقة التي اعتمدها المتهم، والمتمثلة في إرسال الطرود باستعمال الاسم نفسه كمرسل ومستلم، تعود إلى أسلوب قديم سبق للعناصر الأمنية أن واجهته مرات عديدة، ما يجعل إعادة استعماله اليوم مؤشرا على ضعف الخبرة أو التسرع أكثر من كونه ذكاء إجراميا.

ورغم أن هذه الحيلة نجحت في حالات سابقة، خصوصا في المناطق الحدودية التي تعرف نشاطا متقطعاً لتهريب المخدرات بكميات صغيرة، فإن السياق الأمني الحالي مختلف تماما. فالتشديد المتزايد على مراقبة المراسلات والطرود، واعتماد تقنيات الفحص المتقدم وربط البيانات في مختلف المراكز البريدية والجمركية، جعل من الصعب مرور أي شحنة مشبوهة دون رصدها. وهو ما حدث بالفعل حين تمكنت عملية تفتيش روتينية من كشف وجود أكثر من عشرة كيلوغرامات من الحشيش موزعة داخل طردين.

وما يزيد من دلالات هذه القضية هو أن التحقيق لم يستغرق وقتا طويلا، إذ وفرت كاميرات المكاتب البريدية أدلة بصرية واضحة توثق كل خطوة قام بها المتهم، من لحظة دخوله حاملا الطرود إلى مغادرته، ما سهّل تحديد هويته واعتقاله. وهذا المعطى يكشف بوضوح مدى تطور المنظومة الأمنية الإسبانية في التعامل مع الجرائم العابرة للحدود، خاصة تلك المرتبطة بالمخدرات القادمة من شمال المغرب أو عبر سبتة ومليلية.

القضية تعيد أيضا فتح النقاش حول علاقة بعض الشباب في المدينتين المحتلتين بنشاطات التهريب، خصوصا عندما يتعلق الأمر بكميات ليست ضخمة لكنها كافية لإدانتهم بجرائم الاتجار في المخدرات، حيث تصل العقوبات الممكنة إلى أربع سنوات سجنا. وهو ما يعكس محدودية الخيارات الاقتصادية والاجتماعية أمام فئات معينة، واندفاعها نحو أنشطة محفوفة بالمخاطر اعتقادا بأنها طرق سريعة للكسب.

كما تبرز الحادثة حدود “التهريب الفردي”، الذي لا يعتمد على شبكات منظمة ولا على بنية احترافية، بل يتأسس على مبادرات شخصية تعتمد ذكاء محدودا وهامشا ضيقا من الاحتمالات. وفي مثل هذا النوع من الجرائم، يفشل غالبا الفاعل في تقدير حجم التطور التقني في أجهزة الرقابة، أو يستهين بتقاطع كاميرات المراقبة مع البيانات البريدية والجمركية.

في المحصلة، تعكس هذه الواقعة ثلاث خلاصات أساسية: أولا، أن التشديد الأمني في إسبانيا جعل من الطرود البريدية واحدا من أكثر المسارات الخاضعة للرقابة؛ ثانيا، أن الأساليب “التقليدية” للتهريب لم تعد قادرة على تجاوز التقنيات الحديثة في التتبع؛ وثالثا، أن بعض الشباب يدفعون ثمنا باهظا لخيارات طائشة، في وقت باتت فيه العقوبات صارمة والمساطر واضحة.

وتبقى القضية، رغم محدودية حجمها مقارنة بملفات التهريب الكبرى، مؤشرا على استمرار التوتر بين محاولات تطوير المنظومة الأمنية في الضفة الشمالية، وابتكارات هامشية من طرف مهربين فرديين يعتقدون أن بإمكانهم خداع الرقابة، قبل أن تثبت الوقائع أن مسارات البريد لم تعد فضاء آمنا لأي نشاط غير مشروع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى