الجزائر تهاجم مناورات “الشّرقي 2025” بين المغرب وفرنسا في محاولة لصرف الأنظار عن أزماتها

الجزائر تهاجم : دخل النظام الجزائري في موجة جديدة من التصعيد والتنديد، على خلفية الإعلان عن المناورات العسكرية المشتركة “الشّرقي 2025” بين المغرب وفرنسا، والمقررة في سبتمبر المقبل بمنطقة الرشيدية. فبينما اعتادت القوات المسلحة الملكية تنظيم هذه التمارين العسكرية بشكل دوري، جاءت ردود الفعل الجزائرية هذه المرة متشنجة وغير مسبوقة، في خطوة تبدو كجزء من استراتيجية تهدف إلى صرف الأنظار عن الأزمات المتفاقمة بين الجزائر وباريس.
استدعاء دبلوماسي وتحرك سياسي مستعجل
في خطوة تصعيدية، استدعى الخارجية الجزائرية، يوم الخميس 6 مارس، السفير الفرنسي بالجزائر، ستيفان رومانيه، حيث أبلغه الأمين العام للوزارة لونيس مغرمان بما وصفه بـ “خطورة المناورات العسكرية”، معتبرًا أنها “استفزاز موجه ضد الجزائر”.
وجاء في بيان الوزارة أن الجزائر ترى في هذه المناورات “عملاً عدائياً من شأنه تأجيج التوتر في العلاقات الجزائرية-الفرنسية”، رغم أن هذه التدريبات تجري على بعد أكثر من 200 كلم من أقرب نقطة حدودية جزائرية، مما يجعل هذا الادعاء بعيدًا عن الواقع.
ازدواجية المعايير: عندما تمارس الجزائر نفس الشيء
المثير في الموقف الجزائري أن النظام نفسه دأب على إجراء مناورات عسكرية بالقرب من الحدود المغربية، بما في ذلك التمارين المشتركة مع روسيا. ففي نوفمبر 2022 وفبراير 2023، نظّمت الجزائر مع القوات الروسية مناورات تحت اسم “درع الصحراء” على مقربة من الحدود المغربية. كما أن المناورات التكتيكية بالذخيرة الحية التي تنظمها الجزائر بانتظام في “الناحية العسكرية الثالثة”، بالقرب من الحدود مع المغرب، لم تُثر أي ردود فعل مغربية رسمية.
والأمر لا يقتصر فقط على المناورات الروسية، بل سبق للجزائر أن نظّمت تمارين عسكرية مع صربيا وإيران ودول أخرى دون أن تعتبرها المملكة المغربية “تهديدًا”. فلماذا إذن تتعامل الجزائر بهذه الحساسية المفرطة تجاه مناورات مغربية-فرنسية دورية؟
محاولة لصرف الأنظار عن أزمات داخلية وخارجية
المحللون يرون في هذه الضجة الجزائرية مجرد محاولة لصرف الأنظار عن الأزمات الدبلوماسية الحقيقية التي تواجهها الجزائر مع فرنسا. فبين قضية الكاتب المعتقل بوعلام صنصال، وفضائح الترحيلات القسرية لمهاجرين جزائريين من فرنسا، مرورًا بملف التجسس والنشاطات السرية للمخابرات الجزائرية في باريس، يجد النظام الجزائري نفسه غارقًا في مشكلات أكثر تعقيدًا من مجرد مناورات عسكرية يجريها المغرب مع شريك استراتيجي مثل فرنسا.
وفي هذا السياق، يرى متابعون أن السلطات الجزائرية تحاول تحويل الأزمة مع باريس من قضية اعتقالات تعسفية ومشاكل الهجرة والتجسس إلى قضية ذات طابع عسكري وسيادي، في محاولة لحشد الرأي العام الداخلي حول خطاب “الخطر الخارجي”.
المغرب مستمر في تعزيز شراكاته العسكرية
بصرف النظر عن ردود الفعل الجزائرية، تستمر القوات المسلحة الملكية في تعزيز تعاونها مع شركائها الدوليين، حيث تأتي مناورات “الشّرقي 2025” كجزء من التعاون العسكري الممتد بين المغرب وفرنسا، على غرار تمرينات “العقرب 2024” و”الأسد الإفريقي”، التي تُنظم بشكل دوري.
وحسب تقارير عسكرية، فإن المناورات المقبلة ستتضمن تدريبات تكتيكية، محاكاة لعمليات عسكرية، بالإضافة إلى تمارين ميدانية تشمل وحدات المشاة والقوات الجوية. والهدف الأساسي منها هو تعزيز القدرات القتالية ورفع مستوى التنسيق العسكري بين الطرفين، وهو ما يدخل ضمن سياسات الدفاع والتأهيل التي ينتهجها المغرب لمواكبة التحديات الأمنية الإقليمية والدولية.
هل هي أزمة حقيقية أم مجرد ضجيج سياسي؟
في النهاية، يبدو أن الأزمة التي تثيرها الجزائر مفتعلة أكثر منها واقعية، فالمناورات العسكرية ممارسة سيادية لا تشكل بأي حال من الأحوال تهديدًا لدولة لا علاقة لها بها. لكن بالنسبة للنظام الجزائري، فإنها فرصة سانحة لتأجيج المشاعر الوطنية، خاصة في ظل التحديات الداخلية المتزايدة والتراجع الكبير في نفوذ الجزائر على الساحة الدبلوماسية الإقليمية.
إن تحويل الانتباه عن القضايا الحقيقية، سواء تعلق الأمر بالأزمات الداخلية أو الخلافات المتراكمة مع فرنسا، أصبح تكتيكًا شائعًا في استراتيجية النظام الجزائري. غير أن هذه المناورات الإعلامية والسياسية لن تغير شيئًا من الواقع، حيث سيواصل المغرب نهجه المستقل في بناء شراكات قوية، عسكرية واقتصادية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة للنظام الجزائري.