أمينة اوسعيد
دلفت إلى مكتب السجل العدلي بعد طرق الباب.. طلبت مني الموظفة الانتظار خارجا حتى تنتهي مع أحد الأشخاص قبلي.. قادني فضولي بضع خطوات إلى باحة المحكمة. وجدت كرسيا خارج قاعة الجلسات التي كانت تغص بالحضور. قاض ومستشارون ومتنازعون.. جلست على طرف الكرسي، وكانت إلى جانبي امرأة أربعينية ترتدي جلبابا أزرق وتضع على رأسها حجابا أسود. مدت إلي ورقة: “شوفيلي اختي عافاك شمن قاعة عندي الجلسة”. أخذت الورقة ثم وجهتها إلى القاعة رقم 2.. كانت ملامحها توشي بالكثير. تنهدت ثم قالت: “عمرني كنت كنتخايل راسي ندخل للمحكمة حتى جابوني خوتي ليها”، ثم ذرفت الدموع.. سردت لي قصتها مع إخوتها الذين سطو على حقها في إرث أبيها، بحجة أنها امرأة على ذمة رجل ولا يمكن أن تقبض فلسا وهي في عهدته، فما كان منها إلا أن توجهت إلى القضاء لينصفها، خاصة بعد إصابتها بمرض يستدعي تكاليف علاجية باهظة.
أعادت قصة هذه المرأة إلى ذهني مقولة كنت سمعتها من إحدى النساء عانت هي أيضا من نفس الأمر: “إخوتي كانوا إخوتي قبل الإرث، أما الآن نحن إخوة أعداء”.
كيف يمكن أن يتحول الود بين الأشقاء إلى عداء ونزاع في المحاكم؟ لماذا يصر بعض الإخوة على ضرب شرع الله عرض الحائط وتطبيق شرع اليد؟ هل ينتصر القانون على الأعراف والتقاليد المنتشرة في بعض المناطق المغربية التي تحرم فيها المرأة من حقها في إرث والديها؟
هناك من يجيز لنفسه الحق في وضع يده على ممتلكات والديه بعد وفاتهما وحرمان الإناث من حقهن، سواء كن متزوجات أو لا، لأن أعراف القبيلة والدوار والبلاد تدعو إلى هذا وترسخه في ذهن ذكور العائلة. وفي هذه البيئة تجد الفكرة المناخ الخصب لتترعرع وتعمق جذورها أكثر، في غياب الوعي والمعرفة بحدود الله. وتصبح إرثا تحافظ عليه الأجيال المتعاقبة.
وهناك من يكون أكثر كرما فيتصدق على أخواته بالفتات، بينما يحتفظ لنفسه بحصة الأسد. هذا الجشع الذي يكون مختفيا مع وجود الوالدين يظهر بمجرد وفاتهما، وتتحول أواصر الأخوة إلى عداوة وقطع للرحم ونزاع في المحاكم، وفي بعض الأحيان تنتهي الأمور بأسوأ من كل ذلك، فتخرج عن السيطرة وتنتهي بالقتل. قد تكون حالات معزولة، لكنها حدثت وتكررت في المغرب.
الحل لا يوجد دائما بيد القانون وحده. الحل في تربية النفوس على احترام حقوق الغير، وعلى البذل، والتراحم بين الناس. ثم يأتي سلطان القانون ليرعى هذه الحقوق ويصونها في حال الاعتداء عليها.