المغرب

كاميرات المراقبة في المدارس.. حل امني لظاهرة تربوية؟


في خطوة اثارت نقاشا واسعا، شرعت وزارة التربية الوطنية في تعميم كاميرات المراقبة داخل المؤسسات التعليمية، بدعوى الحد من ظاهرة العنف المدرسي التي تفاقمت في السنوات الاخيرة بشكل مقلق
هذه المبادرة، التي تقدمها الوزارة كوسيلة لتعزيز الامن داخل الفضاءات التربوية، تعكس توجها متزايدا نحو المقاربات الزجرية، في مقابل تراجع ملحوظ لمكانة التربية والوقاية والدعم النفسي والاجتماعي

غير ان هذا التوجه يطرح اسئلة جوهرية حول نجاعة العين الالكترونية في معالجة سلوكيات معقدة ومتجذرة، لا ترتبط فقط بغياب الردع، بل اساسا بانهيار المنظومة التربوية، وتدهور العلاقة بين المدرسة والمجتمع، وتراجع دور الاسرة، فضلا عن الاوضاع النفسية والاقتصادية التي يعيشها التلاميذ والاساتذة على حد سواء

صحيح ان الكاميرات قد تساهم في ردع بعض اشكال العنف، وتوثيق الحوادث، وتسريع التحقيقات عند الاقتضاء، لكنها تبقى مجرد وسيلة تقنية، غير قادرة على التنبؤ بالانفجار، ولا على تأطير الانفعال، ولا على ترميم القيم الممزقة داخل جدران المدرسة

فالعنف المدرسي ليس مجرد سلوك طائش لحظة غضب، بل هو انعكاس لخلل بنيوي يشمل غياب التواصل، وانعدام الثقة، وانتشار التهميش، وتدهور جودة التعليم. واذا كانت الكاميرا ترى الفعل، فانها لا تفهم السياق الذي ادى اليه، ولا تملك القدرة على تغييره

المفارقة ان المدرسة، التي من المفترض ان تكون فضاء للتربية قبل كل شيء، تتحول شيئا فشيئا الى فضاء مراقبة وتوثيق، حيث تستبدل العلاقة الانسانية بعلاقة الية باردة، ويختزل دور المؤسسة في رصد السلوك، بدل فهم خلفياته

اكثر من ذلك، فتركيب الكاميرات قد يخلق شعورا بالارتياب والضغط المستمر، وقد يؤدي الى انكماش التلاميذ والاساتذة على ذواتهم، بدل تحريرهم وتشجيعهم على التعبير والنقاش والتفاعل الايجابي

ثم ان العنف لا يحدث دائما في الفصول او الممرات، بل في اماكن خارج نطاق الرؤية، في علاقات خفية، في ضغوط نفسية، في صراعات غير مرئية. فهل سنركب كاميرات داخل العقول والقلوب ايضا؟

الاكيد ان مواجهة العنف داخل المدرسة تتطلب استراتيجية متكاملة، تدمج بين الوقاية، والتأطير، والدعم النفسي، والتواصل مع الاسر، والارتقاء بظروف العمل داخل المؤسسات. كما ان الاستثمار في تكوين الاساتذة، وتوفير الاطر الاجتماعية، وتعزيز التربية على القيم والمواطنة، يبقى اكثر نجاعة من تغطية الجدران بعدسات باردة

ختاما، لا يمكن اختزال مشكل العنف المدرسي في مشهد يوثق بكاميرا، بل يجب ان ننظر اليه كعرض لمرض اعمق، اسمه فقدان المدرسة لوظيفتها التربوية. فالكاميرا قد تسجل الواقعة، لكنها لن تمنعها، وقد تفضح الجريمة، لكنها لن تعالج اسبابها. والمطلوب، ليس فقط ان نرى، بل ان نفهم، وان نصلح ما يجب اصلاحه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى