قمة مدريد بين الرباط ومدريد.. محطة مفصلية لاعادة هندسة العلاقة بين البلدين

تحتضن العاصمة الاسبانية اجتماعا رفيع المستوى بين المغرب واسبانيا، في سياق سياسي اقليمي بالغ الحساسية، يضع العلاقة بين البلدين امام مرحلة جديدة تتجاوز اطار اللقاءات الدورية المعتادة. فالقمة، التي تعود بعد فترة من غياب هذا النوع من الاجتماعات الرفيعة، تاتي لتؤكد ان مسار الشراكة الثنائية انتقل من دائرة التفاهمات الظرفية الى افق استراتيجي ابعد مدى.
ابرز ما يمنح هذا اللقاء وزنه السياسي هو استقرار الموقف الاسباني الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. هذا الموقف الذي كان يشكل تحولا كبيرا عند اعلانه، اصبح اليوم جزءا من رؤية مدريد تجاه محيطها الاستراتيجي، ودليلا على ان الرباط لم تعد بالنسبة للجارة الشمالية مجرد ملف حساس، بل شريكا محوريا في امن واستقرار غرب المتوسط.
القمة تشهد حضورا مكثفا لكبار المسؤولين في البلدين، في صيغة تفاوضية توضح ان العلاقات المغربية الاسبانية لم تعد تبحث عن تفاصيل تسوية ازمة معينة، بل عن بناء مشاريع مشتركة طويلة الاجل. وتشمل الملفات المطروحة مجالات الطاقة والربط الكهربائي والامن والتجارة وتدبير الهجرة، وهي ملفات تعكس تحولا في طبيعة العلاقة من رد الفعل الى التخطيط المتقاطع المصالح.
هذه الدينامية ليست بعيدة عن التحولات الجيوسياسية في اوروبا، خاصة في جنوب القارة، حيث اصبح واضحا ان امن اوروبا وازدهارها يرتبطان بما يجري في الفضاء المتوسطي. وفي ظل ارتفاع التحديات المتعلقة بالهجرة والامن والطاقة، اكتسب المغرب موقعا جديدا في الحسابات الاوروبية، بوصفه شريكا اساسيا لا يمكن تجاوزه، وصاحبا لدور اقليمي متصاعد.
من هنا، تبدو قمة مدريد خطوة محسوبة يراد منها ارساء محور استراتيجي قوي بين البلدين، محور يقوم على المصالح المشتركة والرؤية المتقاربة للتحديات الاقليمية، ويضع حدا لحقبة كانت فيها العلاقة تتراجع باستمرار تحت ضغط الازمات العابرة. فاليوم، يدرك الطرفان ان ترابط المصالح اكبر من ان يسمح بعودة التوتر القديم.
وتدخل الرباط هذه المرحلة بنضج سياسي وثقة متنامية، فيما تتعامل مدريد مع المغرب باعتباره طرفا مساويا في معادلة التعاون، وشريكا استراتيجيا قادرا على التاثير في الاحداث داخل الفضاء الاوروبي والمتوسطي والافريقي. وهو ما يجعل هذا الاجتماع محطة مفصلية ليست في العلاقات الثنائية وحسب، بل في اعادة تشكيل التوازنات الاقليمية برمتها.




