قضية التلميذة المنقبة بالصويرة بين سوء الفهم وتضخيم الوقائع

عرفت قضية التلميذة المنقبة بالصويرة خلال الأيام الماضية جدلا واسعا تجاوز حدود المؤسسة التعليمية ليصل إلى النقاش العمومي والهيئات الحقوقية ووزارة التربية الوطنية. ورغم ما أثير من ادعاءات حول “منع تلميذة من الدراسة بسبب النقاب”، فإن الوقائع التي تم تأكيدها من مصادر تربوية وجمعيات الآباء تكشف أن الأمر يتعلق بسوء فهم تراكمت حوله روايات متضاربة، قبل أن يتحول إلى قضية رأي عام.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أن التلميذة لم تلتحق أصلا بالمؤسسة خلال الموسم الدراسي الحالي، رغم نجاحها الموسم الماضي في مستوى الجذع المشترك آداب. ومع بداية الموسم، بادرت الإدارة إلى التواصل مع أسرتها في إطار برنامج التعبئة المجتمعية لمحاربة الهدر المدرسي، وهو ما أدى إلى حضور والدة التلميذة التي اشترطت السماح لابنتها بارتداء النقاب داخل الأقسام، بينما ينص النظام الداخلي للمؤسسة على الزي الموحد الذي يسمح بالتعرف الواضح على التلميذات والتلاميذ خلال الفترات الدراسية.
هذا التباين بين مطالب الأسرة والقانون الداخلي فتح أول شرخ في التواصل، خصوصا بعدما تأكدت إدارة المؤسسة من أن التلميذة كانت قد عبّرت لوالدها منذ البداية عن عدم رغبتها في متابعة الدراسة هذا الموسم. ورغم ذلك، واصلت المؤسسة ومحاولة إدماجها من جديد، بدعم من جمعية الآباء التي قامت بزيارة منزلية، لكن التلميذة رفضت استقبال ممثلي الجمعية والإدارة.
غياب تواصل مباشر بين المؤسسة والتلميذة ساهم في انتشار رواية بديلة سرعان ما التقطتها بعض الصفحات التي أعادت إنتاج الملف في قالب حقوقي، مقدمة الأمر باعتباره “منعا من الدراسة”. هذا التوظيف المتسرع للمعلومة غير الدقيقة ساهم في تضخيم الإشكال، خاصة في ظل تأخر المؤسسة في تقديم روايتها للرأي العام، مما سمح بانتشار التأويلات على نطاق واسع.
وفي مقابل ذلك، قدمت جمعية الآباء رواية مفصلة تنفي فيها أي قرار بالطرد، مؤكدة أن جميع طلبات إعادة الإدماج الخاصة بالتلاميذ الآخرين تمت معالجتها بشكل إيجابي، وأن وضعية التلميذة كانت مرتبطة بعدم تسجيلها فعليا برسم الموسم الدراسي الحالي. كما كشفت مصادر من الفيدرالية الوطنية لجمعيات الآباء أن وزير التربية الوطنية محمد سعد برادة تفاعل مع الملف، مؤكدا ضرورة معالجة الإشكالات داخل المؤسسات في إطار تربوي وقانوني، مع استعداد الوزارة لتمكين التلميذة من العودة إلى الدراسة وفق الضوابط المعمول بها.
القضية في جوهرها لا ترتبط بالنقاب بقدر ما ترتبط بالمدرسة باعتبارها فضاء تنظيميا يخضع لقواعد موحدة، تتعلق بالزي، وضبط الهوية، وضمان الأمن، وتسهيل التواصل البيداغوجي. كما ترتبط أيضا بتزايد حساسية المجتمع تجاه كل ما يلامس الدين، ما يجعل أي قرار إداري قابلا لتفسيرات متعددة.
وتبرز هذه الواقعة ضرورة تعزيز التواصل بين المؤسسات التعليمية والأسر، وتوضيح القوانين الداخلية بشكل مسبق، مع تفادي ترك فراغات معلوماتية قد تستغلها مصادر غير دقيقة. كما تكشف الحاجة إلى معالجة قضايا الزي داخل المدرسة بمنهج يحترم القانون ويحفظ في الوقت نفسه كرامة المتعلمات والمتعلمين.
في النهاية، تعكس هذه القضية أن المدرسة المغربية تحتاج اليوم إلى آليات أقوى للتواصل، ورؤية تربوية قادرة على استيعاب التحولات داخل المجتمع. كما تؤكد أن النقاشات التي تتحول بسرعة إلى سجالات إعلامية تحتاج إلى معطيات دقيقة وهدوء في التحليل، حتى لا تتحول حالات فردية إلى صراعات وهمية تمس صورة المدرسة وتربك مسار النقاش التربوي الحقيقي.




