المغرب

فوارق اجتماعية ومجالية عميقة… أي طريق نحو تنمية شاملة بالمغرب؟

رغم تراجع معدل الفقر في المغرب من 13% سنة 2014 إلى 7% في 2024، ما تزال الفوارق الاجتماعية والمجالية قائمة، تغذيها هيمنة 10% من السكان على ما يقارب نصف الدخل الوطني، في وقت يتسع فيه الفارق بين الأغنياء والفقراء.

معدل البطالة بلغ 13,2%، أي ما يعادل 1,6 مليون عاطل، مع فجوة واضحة بين الجنسين (20% لدى النساء مقابل 11,7% لدى الرجال)، وارتفاع أكبر في صفوف نحو 300 ألف خريج جامعي بلا عمل. كما أن معدل النشاط الوطني لا يتجاوز 42%، فيما يظل النظام التعليمي ونسبة الأمية (30%) تحديات أساسية. وعلى مستوى الصحة، لا تتجاوز التغطية عبر التأمين الإجباري ثمانية ملايين شخص، ما يكرس محدودية الولوج إلى الرعاية.

هذه الاختلالات مرتبطة ببنية اقتصادية مزدوجة يهيمن فيها القطاع غير المهيكل، مع نظام جبائي غير متكافئ ودعم اجتماعي غير كاف. ورغم إطلاق السجل الاجتماعي الموحد لتجاوز هذه الثغرات، فإن أثره الميداني لم يتضح بعد.

الفوارق المجالية تشكل بدورها تحديا كبيرا. فالجهات الساحلية الكبرى مثل الدار البيضاء–سطات والرباط–سلا–القنيطرة تنتج قرابة 60% من الناتج الداخلي الإجمالي، بينما تظل جهات مثل درعة–تافيلالت وفاس–مكناس وبني ملال–خنيفرة مهمشة، تعاني ضعف البنيات الأساسية وقلة جاذبية الاستثمار، مع تركّز المناطق الصناعية على الساحل الأطلسي.

ورغم مساهمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ 2005 في دعم المشاريع الاجتماعية بالمناطق الهشة، فإن غياب مشاريع إقليمية كبرى في برامج التنمية الجهوية يضعف من أثر هذه الجهود. ويبرز هنا مطلب إرساء “ذكاء ترابي” جديد يقوم على إشراك الساكنة، ودعم المقاولة في الوسط القروي لخلق طبقة متوسطة تحد من الهجرة نحو المدن.

خسارة 140 ألف منصب شغل في العالم القروي سنة 2024 تعكس الحاجة الملحّة لإعادة توجيه السياسات العمومية نحو تنمية شاملة، تقوم على حكامة ترابية فعالة، وتوزيع عادل للاستثمارات، وتفعيل حقيقي للجهوية المتقدمة.

المغرب بـ”سرعتين” ليس قدرا محتوما، بل نتيجة تراكم اختلالات سياسية واقتصادية واجتماعية. تجاوزه يتطلب إصلاحا هيكليا يشمل التعليم والتكوين، واعتماد نموذج اقتصادي منصف يخلق فرص الشغل، مع تعزيز العدالة الاجتماعية والخدمات الأساسية، وضمان مساءلة المسؤولين المنتخبين عن إدارة المال العام، وإدماج حقيقي للشباب والمجتمع المدني في صناعة القرار التنموي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى