العالم

فرار “ناصر الجن” : سقوط الأقنعة داخل النظام الجزائري

بقلم: محمد حارص – مدير نشر المجموعة الإعلامية صفرو بريس


لا يحتاج المتتبع للشأن الجزائري إلى كثير من الجهد ليدرك أن فرار الجنرال عبد القادر حداد، الملقب بـ”ناصر الجن”، لم يكن سوى لحظة انفجار لقنبلة موقوتة كان النظام العسكري يخفيها تحت عباءة “القوة الصلبة”. أن يهرب مدير سابق لجهاز المخابرات الداخلية، على طريقة المهاجرين غير النظاميين، نحو السواحل الإسبانية، فهذا أكبر صفعة يتلقاها نظام رفع شعارات القوة والهيبة بينما تنهشه صراعاته الداخلية من الداخل.
“ناصر الجن” لم يكن مجرد ضابط عادي، بل الصندوق الأسود للنظام، رجل يعرف كل شيء: من جرائم “العشرية السوداء”، إلى خبايا العلاقة مع البوليساريو، إلى صفقات الدم في الساحل وتسليح الجماعات الإرهابية. أن يفر هذا الرجل معناه أن السلطة فقدت السيطرة على أسرارها، وأن زمن التستر على الجرائم قد ولى، وأن مرحلة الحساب باتت أقرب مما تظن.
المثير في المشهد أن الإعلام الجزائري اختار الصمت، وكأن لا شيء وقع، في وقت تتسابق كبريات الصحف العالمية لتحليل الحدث باعتباره زلزالا سياسيا وأمنيا. هذا الصمت المخزي ليس سوى محاولة بائسة لطمس الحقيقة، لكنه في العمق يكشف حجم الارتباك والخوف الذي يسكن قلوب جنرالات المرادية، الذين يدركون أن أي كلمة قد تحرك رمالا متحركة تحت أقدامهم.
إن فرار “ناصر الجن” يفضح حقيقة النظام الجزائري: سلطة قائمة على الخوف، تعيش على القمع والتستر، وتنهار عند أول اختبار جدي. وإذا كان الجنرال قد اختار الهروب، فإن رسالته واضحة: حتى كبار النظام لم يعودوا آمنين داخل الجزائر، فما بالك بالمواطن البسيط الذي يعيش كل يوم تحت وطأة الفقر والبطالة والقمع؟
لقد سقطت الأقنعة، وما كان يتستر عليه النظام طيلة عقود بات اليوم مهددا بالانكشاف أمام العالم. وأول ما سينكشف هو أن الجزائر ليست “قوة إقليمية” كما يروجون، بل دولة رهينة لصراعات الجنرالات، حيث لا استقرار ولا مستقبل في ظل سلطة فاسدة تأكل أبناءها قبل خصومها.
إنها لحظة فارقة: إما أن يواجه الشعب الجزائري حقيقته المرة ويطالب بتغيير جذري، أو أن يظل النظام يرقع جراحه المتعفنة ببيانات خاوية، في انتظار السقوط الحتمي الذي صار مسألة وقت لا غير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى