أمينة اوسعيد
نحن اليوم أمام حقيقة صلبة لا يمكن تجاوزها ولا نكارها، وكل ما علينا سوى تقبل الأمر ومحاولة التكيف معه وإيجاد طريقة لاستيعابه.
هذا الجيل الذي يعصب عقله بحجاب الجهل والتبعية المطلقة لكل ما تسوق له مواقع التواصل الاجتماعي.. جيل الترند.. جيل الهواتف الذكية.. جيلٌ فاقد للبوصلة، وكل ما يظهر عند الغرب يلبسه دون تفكير أو تحليل، أو حتى معرفة ماهية هذا الفعل أو ذاك.. ما يجعلنا نتساءل: من يؤثر اليوم في عقول أبنائنا وفي سلوكهم؟! كيف أصبح هذا الجيل مجرد دمى في مسرح العرائس؟ ومن يمسك بخيوطها؟!
ترندات كثيرة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، منها التافه ومنها القاتل الذي انتهى بكوارث، والقاسم المشترك بينها هو البحث عن “البوز” وحصد الإعجابات والمشاهدات..
آخر هذه الترندات ما جرى تداوله داخل قاعات الدراسة التي ابتدع وأبدع فيها التلاميذ بمنح الاساتذة علب الشكلاطة، وهناك من اجتهد وذهب إلى أبعد ما فعله صاحب الترند الحقيقي ومنح “قالب ديال السكر” في مشهد مضحك..
وبما أنني جامحة الخيال، فقد قفز إلى ذهني مشهد الشيخ الكركري والأوراق المالية الزرقاء والبنية أمامه.. هل نحن أمام “غْرَامة” كما جرت به عادات بعض الأعراس في البوادي والقرى؟! أم هي “غرامة” بصيغة مبتكرة تتلاءم وطبيعة الموجة؟! هل علب الشكلاطة ستعيد للأستاذ هيبته داخل القسم؟!
ردة فعل بعض الأساتذة والأستاذات أمام عدسات الهواتف التي تناقلت المشهد وأخفت حقيقة الإحساس من هذه البادرة تباينت بين مرحب وبين مستنكر، فهناك من قبل الهدية وهناك من رفضها.
فقاعة الصابون هذه التي سوف تنفجر بمجرد إطفاء عدسة الهاتف التي تصوّر لن تغير من الواقع شيئا، والأستاذ في اعتقادي يحتاج إلى التقدير والاحترام من طرف تلامذته أكثر مما يحتاج إلى السكر وما يليه من شغب ليرتفع ضغطه. الأستاذ سيكون أكثر رضى وفخرا حين يتفوق تلامذته في التحصيل الدراسي وتحفظ مكانته التي اهتزت بركلات ولكمات التلاميذ في عدة مؤسسات.
هذا الترند بحسب رأيي قد يصلح في بلاد الغرب التي تختلف فيها بيداغوجية التدريس، أما في بلدنا فستأخذ أبعادا كثيرة.. هناك من سيعتبرها محاولة للتزلف إلى الأستاذ من أجل الحصول على نقط وعلامات جيدة، في حين هناك بعض التلاميذ الذين ليس في مقدورهم شراء كتاب المقرر الدراسي، فما بالك بعلبة شكلاطة، والتي أصبح ثمنها مضاعفا هي الأخرى، وهذا ما قد يشعرهم بالنقص والإحراج أمام أصدقائهم. هنا سنصبح أمام علاقة مادية تجمع الأستاذ بتلاميذه، وستتعزز الفوارق أكثر بين من يقدم الهدية وبين من ليس له طاقة إلى ذلك.
الأستاذ تكفيه كلمة شكر وتقدير حتى يشعر بالامتنان وأنه أدى رسالته على أكمل وجه.. الاحترام هو الأصل، أما “الشكلاط” فتنتهي حلاوته في دقيقة.