العالمالمغرب

عندما تُهان اللغة… أين قرار الدولة؟

إرجاع وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، تصاعد العنصرية ضد الجالية المغربية في إسبانيا إلى خطاب اليمين المتطرف، معطى خطير في حد ذاته، لأنه يؤكد أن ما تتعرض له الجالية ليس حوادث معزولة، بل نتيجة مناخ سياسي وثقافي يُغذّي الإقصاء والكراهية. والأخطر من ذلك أن سفارة المغرب بمدريد لم تتلقَّ أي جواب عن مراسلاتها لوزارتي الخارجية والتربية الإسبانيتين بخصوص انسحاب جهتي مدريد ومرسية من اتفاقيات برنامج تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية، في استخفاف دبلوماسي واضح، وصمت لا يقل عدائية عن القرار نفسه.

هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: لماذا يُسمح بهذا الكيل بمكيالين؟ لماذا يُمنع تعليم اللغة العربية لأبناء الجالية المغربية في إسبانيا، بينما تظل اللغة الإسبانية حاضرة بقوة في المعاهد والجامعات المغربية، بل وتُقدَّم أحياناً كأفق ثقافي “حداثي” مقابل شيطنة العربية وربطها بالتخلف أو التطرف؟ أليس هذا شكلاً صريحاً من أشكال العنصرية الثقافية؟

إن منطق “العين بالعين” الذي قد يبدو للبعض انفعالياً، يجد اليوم ما يبرره سياسياً وأخلاقياً. فحين تُستهدف لغة وهوية جالية كاملة بدوافع إيديولوجية، يصبح مبدأ المعاملة بالمثل حقاً سيادياً، لا نزوة شعبوية. كيف تقبل الدولة المغربية باستمرار تعليم اللغة الإسبانية، وتوسيع حضورها المؤسساتي، في وقت تُضيَّق فيه إسبانيا على اللغة العربية، ليس كلغة أجنبية، بل كلغة هوية وثقافة لمواطنين ومقيمين شرعيين؟

الأدهى أن أوروبا، وفي مقدمتها إسبانيا، لا تتوقف عن الدعوة إلى تعلم لغاتها في المغرب، تحت عناوين “الانفتاح” و“التعدد الثقافي”، بينما تمارس على أرضها إقصاءً ممنهجاً لكل ما هو عربي وإسلامي. هذه ليست ازدواجية معايير فقط، بل علاقة غير متكافئة، يُطلب فيها من المغرب أن يكون منفتحاً بلا شروط، بينما يُطالَب أبناؤه في الضفة الأخرى بالتخلي عن لغتهم وثقافتهم حتى يُقبل بهم.

وإلى متى سيبقى المغرب رهيناً للثقافة الأوروبية بوصفها المرجع الوحيد للحداثة والاعتراف الدولي؟ متى نكفّ عن التعامل مع لغتنا وثقافتنا بمنطق الدفاع الخجول، وكأننا نعتذر عن وجودهما؟ اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي سيادة ورمز وذاكرة. ومن يمنعها إنما يمنع حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.

السؤال الجوهري اليوم ليس هل ما يحدث عنصرية أم لا، فذلك بات واضحاً، بل: هل يملك المسؤولون الشجاعة السياسية لاتخاذ قرار جريء يضع حداً لهذا العبث؟ قرار يُفهم إسبانيا، وأوروبا عموماً، أن الاحترام متبادل، وأن كرامة اللغة العربية ليست ملفاً ثانوياً، بل خطاً أحمر. لأن الاستمرار في الصمت أو الاكتفاء بالتنديد، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التطبيع مع الإهانة، ومزيد من التراجع أمام خطاب عنصري لا يفهم إلا لغة الندية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى