
ضجت الساحة السياسية خلال الساعات الماضية بخبر إعفاء رئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة من مهامه، بعد جدل واسع أثارته سهرة فنية احتضنها أحد الفضاءات التابعة للجامعة، وشاركت فيها فرقة شعبية تضم ما يعرف بالشيخات، في مشهد وصف بأنه غير مألوف داخل مؤسسة أكاديمية يفترض أن تكون مخصصة للعلم والمعرفة.
الواقعة التي انتشرت تفاصيلها عبر مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي، أثارت ردود فعل متباينة، بين من استنكر السماح بتنظيم هذا النوع من السهرات داخل فضاء جامعي، وبين من اعتبر الأمر مبالغا فيه، لكنه لا يستوجب إعفاء رئيس مؤسسة بكاملها.
النقابة المغربية للتعليم العالي كانت من أول الهيئات التي دخلت على الخط، حيث وجهت انتقادات شديدة إلى الوزارة الوصية، طالبت فيها بفتح تحقيق عاجل واتخاذ ما يلزم من إجراءات تحفظ حرمة الجامعة، وتحول دون تكرار مثل هذه الممارسات مستقبلا.
في المقابل، لم تصدر إلى حدود الساعة أي توضيحات رسمية من طرف وزارة التعليم العالي بشأن خلفيات القرار ولا حول توقيته، ما ترك المجال مفتوحا للتأويلات والقراءات المتعددة، خاصة في ظل صمت الرئيس المعفى وعدم تعليقه على الموضوع.
المثير في القضية أن عددا من المهتمين بالشأن الجامعي تساءلوا عن كيفية الترخيص لتنظيم سهرة من هذا النوع، ومن الجهة التي وافقت على استعمال فضاء جامعي في نشاط فني لا ينسجم مع الأهداف البيداغوجية والثقافية للمؤسسة. كما طرح سؤال الحوكمة الداخلية، ودور الهياكل المنتخبة، ومسؤولية الإدارات المركزية في مراقبة الأنشطة التي تنظم داخل الجامعات العمومية.
القرار، رغم المفاجأة التي رافقته، جاء ليضع حدا لحالة من الغضب وسط عدد من الأساتذة والطلبة، الذين اعتبروا ما وقع مسا مباشرا بصورة الجامعة، في وقت تحتاج فيه مؤسسات التعليم العالي إلى دعم الثقة، وتقوية الجودة، وتحسين الأداء، لا إلى إثارة الجدل بسبب اختيارات غير محسوبة في تدبير الأنشطة الثقافية.
غير أن الإعفاء في حد ذاته لا يكفي، حسب بعض التحليلات، بل المطلوب اليوم هو فتح نقاش وطني شامل حول وظيفة الجامعة، والحدود التي تفصل بين الانفتاح على المحيط الثقافي والاجتماعي، وبين الالتزام بروح المؤسسة الأكاديمية التي تقوم على الجدية والاحترام والتميز.
فإذا كانت الجامعة فضاء للتكوين والانفتاح والتفاعل، فإنها في الآن نفسه مؤسسة عمومية ينبغي أن تحافظ على صورتها، وعلى مضمون رسالتها التربوية والعلمية. ولا يمكن أن تتحول إلى مسرح للعبث أو مجال لتجريب أنماط تعبيرية لا تراعي خصوصية الفضاء الجامعي، ولا تنتبه لحساسية الرأي العام تجاه رمزية المؤسسة.
الإعفاء، وإن جاء في سياق إداري صرف، إلا أنه أطلق نقاشا عميقا يتجاوز الأشخاص، ويمس جوهر السياسة الجامعية، ويطرح الحاجة إلى وضع ضوابط صارمة لتنظيم الأنشطة داخل الفضاءات الجامعية، خاصة تلك التي تمس صورة الجامعة أو تفتح باب التأويلات والجدل.
المتابعون ينتظرون الآن من الوزارة كشف ملابسات القرار وتحديد المسؤوليات، كما يتطلعون إلى رؤية إصلاحية واضحة تعيد للجامعة هيبتها وتُحصّنها من أي انزلاقات مستقبلية، سواء كانت ثقافية أو إدارية أو سياسية.
فطريق الشيخات، وإن أسقطت الزرزور من فوق السور، إلا أنها كشفت عن خلل أعمق في البناء الداخلي، وعن حاجة ملحة لإعادة ضبط الإيقاع داخل مؤسسات التعليم العالي، حتى تظل وفية لرسالتها، منفتحة على محيطها، دون أن تفقد قيمتها واعتبارها في عيون من يُراهنون عليها لصناعة المستقبل.