

صفرو التي كانت خضراء تسر الناظرين أصبحت اليوم مدينة صفراء باهتة، حدائقها متآكلة ومتنفساتها شبه منعدمة، وكأنها تحن لحروف اسمها التي صاغتها الطبيعة: الصاد والفاء والراء. التربة الجافة والفراغ البيئي يبعثان على الحزن، فيما يتساءل المواطنون عن مصير الميزانيات التي تخصص للمشاريع دون أثر ملموس على أرض الواقع.
شوارع صفرو لم تعد تدعو إلى المشي، وأرصدتها مهترئة لا تحفز على التنقل، أما الحدائق التي من المفترض أن تبهج الأطفال وتمنح العائلات فضاءات للراحة، فقد اختفت في صمت لتترك مكانها لأرض قاحلة. المدينة التي كانت عنوانا للطبيعة والبهجة تتحول تدريجيا إلى فضاء جاف بلا روح.
في قلب صنهاجة التاريخية، المشهد أكثر قتامة. دخان الكوشات يلف المكان، يُرى من مسافات بعيدة وكأن المنطقة تحترق. هذا المشهد يختزل حجم الإهمال، ويطرح أسئلة عميقة عن غياب رؤية حقيقية لتأهيل فضاء تاريخي وإنساني كان شاهدا على أمجاد المدينة.
ساكنة صفرو تعيش حالة من الغضب المكبوت. فهم لا يطالبون بالترف، بل بأبسط حقوقهم في بيئة نظيفة وفضاءات للتنفس والتجول. هل يعقل أن مدينة بحجم صفرو، بتاريخها وثقلها الثقافي، تظل خارج مخططات التأهيل الكبرى؟ أليس من حقها أن تحظى بنصيب من الاستثمارات التي تعيد إليها بهاءها وتمنح سكانها متنفسا يحفظ كرامتهم؟
الكل يطرح السؤال نفسه: أين تذهب ميزانيات المشاريع؟ من يحاسب ومن يراقب؟ ولماذا يتحول المال العام إلى أرقام على الورق دون أثر في الميدان؟ أليس حريا بالمسؤولين المحليين والمنتخبين أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة بدل الاكتفاء بالشعارات والوعود الفارغة؟
صفرو لا تحتاج إلى خطابات ولا إلى تبريرات متكررة، بل إلى شجاعة سياسية وإدارية. شجاعة تعترف بالواقع وتباشر الإصلاح العاجل، حتى لا يتحول الإهمال إلى قدر دائم. المدينة اليوم تقف على مفترق طرق: إما نهضة تعيد إليها الحياة، وإما استمرار في الانحدار نحو صورة مدينة منكوبة بيئيا وعمرانيا.
صفرو ليست مدينة ثانوية ولا عبئا على الوطن، بل هي جزء من ذاكرة المغرب وهويته. ولهذا تستحق الأفضل، وتستحق أن تجد مسؤولا شجاعا يصلح ما أفسده السابقون، ويعيد لها خضرتها التي ضاعت في دوامة الوعود.







يقول العارف:
الصاد = السِّرُّ الباطن، العينُ الصافية الكامنة في أعماق الوجود.
الفاء = فيضُ السَّيلان والامتلاء، حدائقُها وثمراتُها وأفراحُها.
الراء = نَسيمُ الرُّوح الحيّ، عِطرُ الرحمة وحركةُ الحياة.
هكذا كانت المدينةُ يومًا، دُرَّةً نقية من دُرَرِ المغرب.