الآية التي ختم بها الملك محمد السادس خطابه أمام البرلمان رسالة عميقة في المحاسبة والمسؤولية

اختار الملك محمد السادس أن يختم خطابه أمام البرلمان بآية قصيرة في مبناها عميقة في معناها، حين قال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. هذا الاختتام القرآني لم يكن تفصيلا شكليا أو مجرد لمسة دينية معتادة، بل جاء كرسالة موجهة بدقة إلى من يتحملون المسؤولية في تدبير الشأن العام، وإلى المجتمع بأسره في لحظة سياسية تحتاج إلى اليقظة الأخلاقية بقدر ما تحتاج إلى الكفاءة والجدية.
الآية تحمل جوهر مبدأ العدالة المطلقة التي لا يغيب عنها شيء، حيث لا تضيع الأعمال الصغيرة ولا تُغفل النيات. ومن هذا المنطلق، فإن الملك أراد من خلالها أن يذكّر بأن كل فعل، مهما بدا بسيطا، له أثره وجزاؤه، وأن المسؤول في أي موقع سيُحاسب على ما قدم وما أهمل. إنها دعوة مفتوحة للمسؤولين كي يستشعروا رقابة الله قبل رقابة القانون، وأن يدركوا أن المناصب زائلة لكن الأمانة باقية.
في سياق الخطاب، تكتسب هذه الآية بعدا سياسيا واضحا، فهي تترجم رؤية الملك في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو مبدأ طالما أكده في خطبه السابقة، لكن هذه المرة تمت ترجمته بلغة القرآن، التي لا تحتمل التأويل ولا المراوغة. إنها تذكير بأن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من القوانين فقط، بل من الضمير، وأن الدولة العادلة تُبنى على أخلاق من يديرونها قبل مؤسساتها.
كما تعكس الآية بعدا إنسانيا شاملا يتجاوز حدود السياسة، فهي تذكير للمواطن أيضا بأن الخير لا يضيع مهما صغر، وأن الشر لا يُغفل مهما خفي، مما يرسخ فكرة المسؤولية المشتركة بين الدولة والمجتمع. فالإصلاح لا يتحقق بيد واحدة، بل بتكامل الوعي والمسؤولية من القاعدة إلى القمة.
إن ختم الخطاب بهذه الآية يمثل رسالة مزدوجة: إنذارا لمن يستهين بثقة الناس والأمانة الملقاة على عاتقه، وتشجيعا لكل من يعمل بإخلاص من أجل المصلحة العامة. إنها آية تضع الجميع، من برلمانيين ومسؤولين ومواطنين، أمام محكمة الضمير والواجب، وتعيد المعنى الأخلاقي للسياسة باعتبارها خدمة لا امتيازا، وأمانة لا سلطة.
بهذا المعنى، لم يكن اختيار الآية اعتباطيا، بل تلخيصا رمزيا لرؤية شاملة مفادها أن الحكم الرشيد لا يقوم إلا على العدل، وأن العدل لا يتحقق إلا حين يدرك كل فرد أن الله يرى ما يعمل، مهما كان مثقال ذرة.




