المغرب

سيارات الدولة بين خطاب التقشف وواقع النزيف المالي

تثير قضية سيارات الدولة في المغرب جدلا واسعا كلما طرحت في النقاش العمومي. فرغم خطابات التقشف وترشيد النفقات، تكشف الارقام ان هذه الاسطول يلتهم ميزانية ضخمة تتجاوز 300 مليار سنتيم سنويا، وهو رقم صادم يعكس التناقض بين الشعارات والواقع.

يعتبر اسطول سيارات الدولة من الاكبر في المنطقة، ويضم الاف العربات الموزعة على الوزارات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية. غير ان غياب الحكامة والرقابة حول طرق استعمال هذه السيارات يجعلها عبئا ثقيلا على المالية العمومية، خاصة مع ما يرافقها من مصاريف الوقود والصيانة والتأمين.

المفارقة الكبرى تكمن في ان هذه المصاريف الباهظة تستمر في ظل دعوات رسمية متكررة الى التقشف وربط المسؤولية بالمحاسبة. المواطن البسيط الذي يعاني من غلاء الاسعار وتراجع القدرة الشرائية يتساءل بحيرة: كيف يمكن للدولة ان تطالبنا بالشد على الاحزمة، بينما تستنزف الملايير في سيارات مخصصة احيانا لقضاء اغراض شخصية لمسؤولين؟

اصلاح هذا الملف يتطلب قرارات شجاعة، من قبيل تقليص عدد السيارات المخصصة للمسؤولين، اعتماد نظام بديل يقوم على تعويضات مالية مضبوطة، وتفعيل الرقابة الرقمية على كل سيارة خدمة للتأكد من مساراتها واستعمالها. فبدون ذلك سيظل النزيف المالي مستمرا، وستظل صورة الدولة مرتبطة بالهدر والازدواجية بين الخطاب والممارسة.

ان المال العام ملك لجميع المغاربة، ومن غير المقبول ان يهدر في كماليات كان من الممكن ان توجه لبناء المدارس والمستشفيات وتحسين الخدمات الاجتماعية. لذلك فإن ملف سيارات الدولة يجب ان يتحول من موضوع صحفي عابر الى ورش اصلاحي جدي يقطع مع منطق الريع ويكرس ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى