العالم

أزمة النظام الجزائري : انخفاض عائدات النفط يهدد قدرة الدولة على التمويل والتوازن الاقتصادي

عاني الاقتصاد الجزائري من مشكلة هيكلية قديمة تتمثل في اعتماده الكامل على عائدات النفط والغاز، التي كانت تشكل مصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية ومُمولاً رئيسيًا للنظام السياسي. فقد استطاعت الجزائر، خلال الفترة من عام 2000 حتى 2015، تحقيق إيرادات ضخمة تجاوزت 800 مليار دولار من مبيعات الوقود، مما سمح للنظام بتحقيق استقرار اجتماعي مؤقت وتوفير موارد لتمويل الصراعات الإقليمية مثل دعم جبهة البوليساريو.

لكن تلك الأموال لم تُستثمر في تطوير رأس المال المنتج؛ إذ تظل الجزائر مضطرة لاستيراد جميع السلع الأساسية مثل الغذاء والملابس والأدوية والقطع الغيار، مما أسفر عن تدفقات مالية خارجة بلغت نحو 700 مليار دولار، بالإضافة إلى صرف أكثر من 100 مليار دولار لمصروفات حكومية تقديرية. ومنذ الاستقلال عام 1962، اعتمدت الجزائر على عائدات النفط التي تمثل 95 إلى 98% من صادراتها وحوالي 75% من ميزانيتها، دون أن تتنوع مصادر الدخل بما يكفي لمواجهة التحديات الاقتصادية.

وتظهر مؤشرات السنوات الأخيرة انخفاضًا ملحوظًا في عائدات النفط؛ فقد بلغت الإيرادات 59 مليار دولار في 2022، ثم 50 مليار دولار في 2023، وانخفضت إلى 45 مليار دولار في 2024، نتيجة لتراجع الإنتاج المحلي وارتفاع الطلب الداخلي. وما يزيد الطين بلة أن ربع هذه الإيرادات قد استُخدمت لاستيراد المواد الغذائية الأساسية التي كانت الجزائر تُصدرها قبل عام 1962؛ ففي 2024، استوردت البلاد 8.5 مليون طن من القمح بينما أنتجت 3 ملايين طن فقط، في مواجهة حاجة تصل إلى 11 مليون طن سنويًا، كما أن صادرات الفواكه والخضروات التي كانت تشكل جزءًا من الاقتصاد الوطني قبل الاستقلال لم تعد موجودة.

وتبرز الأزمة في أن النظام الجزائري لا يستطيع مواصلة تمويل جهوده العسكرية ودعم جبهة البوليساريو، بينما تُنفق مبالغ طائلة على الاستيراد لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. فمع تزايد عدد السكان بمعدل نمو سنوي يقارب 2.15%، حيث وصل عدد السكان إلى 46.7 مليون نسمة في يناير 2024 مقارنة بـ12 مليون نسمة في عام 1962، بات واضحًا أن الاقتصاد الجزائري أصبح عاجزًا عن تلبية الاحتياجات الأساسية في قطاعات الغذاء مثل الحبوب والألبان واللحوم والسكر والبذور الزيتية.

ولا يمكن للنظام الجزائري الاستمرار على هذا المنوال، إذ تعتمد بقاءه على أسعار النفط. فقد علم المسؤولون أن “صدمة النفط” عام 1986 أدت إلى احتجاجات أكتوبر 1988، تلتها حرب أهلية في التسعينيات. وفي السنوات الأخيرة، بدأ سعر النفط في الانخفاض، ومع انخفاضه إلى مستويات تتراوح بين 50 و60 دولارًا للبرميل، تصبح الميزانية الوطنية، التي تحتاج إلى سعر يتراوح بين 130 و140 دولارًا للحفاظ على التوازن، في وضع حرج. ففي عام 2024، بُنيت ميزانية الدولة على 113.15 مليار دولار من النفقات مقابل 67.44 مليار دولار من الإيرادات، مما أحدث عجزًا يقارب 45.71 مليار دولار، بينما بلغت ميزانية الدفاع 25 مليار دولار. وفي مشروع القانون المالي لعام 2025، من المتوقع أن ترتفع النفقات إلى 127.40 مليار دولار مقابل إيرادات تبلغ 63.13 مليار دولار، مما يؤدي إلى عجز يزيد عن 64 مليار دولار.

وهكذا، يقترب موعد اتخاذ قرارات صعبة للنظام الجزائري، الذي لا يستطيع الاستمرار في تمويل جهوده العسكرية ودعم جهات مثل البوليساريو، بينما يعتمد على عائدات نفطية متناقصة لتلبية احتياجات شعبه المتزايدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا