دقت طبول الانتخابات، وفي طياتها مكاسب وتحديات…
دقت طبول الإنتخابات فهبت لسماعها الأحزاب والهيئات..
تُعِد “العتبات”.. وتُلمّع “الواجهات”.. وتنظف ” التراكمات “، فالضيف الجديد -القديم وفيّ لبعض “العادات”، ولابد من استقباله بالتحفيزات والامتيازات.
دقت الطبول في سنة انتخابية بكل المواصفات، مؤجورين ومهنيين وجماعات وجهات، وحزمة قرارات..لجنة مركزية لتتبع الانتخابات، يرأسها وزيرا الداخلية والعدل والحريات، و قوانين تنظيمية جديدة تنظم الاستحقاقات، وفحص لصرف التمويلات من المجلس الأعلى للحسابات .
ومع دق الطبول تعزف من جديد مزامير للنساء بطعم التمكين، هذه المرة بقوة القانون، حددت للنساء نسب مهمة بلغت النصف في لوائح النقابات، والثلث في الجماعات الترابية والجهات..
مناخ انتخابي ينحو نحو المناصفة، وينافح عن المشاركة، وواقع حال بعيد عن التحدي والمرافعة، فهل تنجح “النسوة” في المواكبة ؟ وهل تكون فرصة التمكين باب للمجاهدة ؟
مناخ عام مهيء -نظريا – لإقبال النساء على الممارسة السياسية، لكن السؤال المفتوح سؤال كفاءات، لا أقصد هنا، كما سيذهب البعض، التقليل من كفاءة المرأة بشكل عام، لكن أقصد هل بلغت النساء المغربيات مستوى النضج السياسي المطلوب، مع التأكيد على أن النضج السياسي مطلوب في جميع النخب ، وهل استطاعت الأحزاب السياسية المغربية إفراز نخب سياسية نسائية للمرحلة، وأؤكد هنا على الإفراز التلقائي للنخب وليس على إعدادها أو تجميعها، أو استيرادها و تطعيمها بالتكنوقراط، هل الممارسة السياسية اليومية في الأحزاب السياسية المغربية، وبرامجها التكوينية والتأطيرية استطاعت الجواب على تحدي المرحلة من أجل تقديم لوائح بنساء مناضلات سياسيات متمكنات من أطروحات أحزابهن، مدافعات عن برامجها.
فرغم أن الحديث عن التمكين انطلق مع التمييز الإيجابي “الكوطا” ومع مرور الوقت -رغم قصره بالنظر لتغير العقليات في المجتمعات- لا زال التمييز هو الحكم.
ولا زلت مقتنعة أن الثقافة السائدة في المغرب والتي طالما فضلت ذكوره، لا زالت لا تستوعب لحد الأن منطق المشاركة والتنافس الإيجابي على خلفية المساواة ، فالمجتمع المغربي لطالما أعطى رجاله فرصة راكموا فيها تجارب، ومنحهم فضاءات عززت تجربتهم، وصاغ من أجلهم تمثلات أقرت التمايز في التعاطي مع ملفات محددة منها السياسة.
ومع ما ساد السياسة لعقود – رغم اتساع الوعي بأهمية مشاركة النساء- من “ضبابية” في أهدافها وتشعب في تقاطعاتها انحازت النساء ربما تلقائيا وابتعدت عن السياسة طوعيا ، فصارت ميادين خاصة وأفرزت قيم خاصة وسلوكات خاصة، حتى لاحظنا مثلا كيف أصبح “الغوات” رفع الصوت أثناء المحاججة السياسية وهو سلوك للإشارة مرفوض مهما كان مصدره، تمثل لمارسة السياسة، ونعثت ممارساته ( في دورة التطبع أو التقليد التي تعيشها النسوة) بالاسترجال وغيره من النعوت، واختلط الفضاء العام بالأحكام الخاصة ، وامتزجت معايير التدافع السياسي بمعاير الأنوثة أو عدمها ، والوقار وعدمه .
حان الوقت على مغرب القرن الواحد والعشرين أن تعطى للنساء فرصهن الضائعات، وحان على مغرب الحرية واللاستقرار أن تحفظ كرامة نسائه السياسيات والحقوقيات، وحان الوقت على مغرب التميز أن تتميز نساءه السياسيات بتاريخهن النضالي وقوتهن، وحان الوقت على الأحزاب السياسية ان تستوعب الدرس الديموقراطي ، وبدل أن تبحث عن النساء لاستكمال اللوائح (كي لا تلغى) أن تهيء للاستحقاق بتربية جيل يحترم بعضه البعض ويتشبع بقيم الديموقراطية والمشاركة والاقتسام، ورفع سقف النضال لعموم الأعضاء.
حان الوقت أن تراعى في البرامج والتكوين والتأطير واللقاءات خصوصية النساء، وأن تهيء المقرات والفضاءات على احترام أبعادهن متكاملة، وحان الوقت لتواكب خطابات الأحزاب وقوانينها الداخلية هذا التمكين القانوني للنساء، وأن يطبع مع ثقافة تعاطي السياسة بروح النضال لا بروح التمييز ..و بعقلية العطاء من أجل الوطن وقيم البذل والتضحية والنضال من أجل محاصرة الفساد وتطويق الاستبداد وردع الظلم، لا بمنطق الريع والاستفادة من الامتيازات ، وأن تكون مشاركة النساء بمنطق شرف الإسهام في كرامة المجتمع والدولة والسير بالبلد نحو مراتب أسمى في مؤشرات التنمية والتحضر كي لا نقف عند حدود الوسيلة ونسوق لصورة جميلة مرصعة بالتأنيث.