قرأت فـي جريدة ” هيسبريس ” الإلكترونية مقالا للأستاذ والمحلل السيـاسي ” عبد الرحيم منار السليمي “، تـم نشره علــى موقع الجريدة يوم الخميس 13 مارس 2014م “http://www.hespress.com/writers/156301.html “، و افتتحته بقولها : » حذر الدكتور عبد الرحيم منار أسليمي رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية و تحليل السياسات مما سماها : ” خمسة مخاطر و سوابق قد تثير الفوضى في الانتخابات التشريعية المقبلة “ «، وذلك في إطار تحليله لتداعيات قرار المجلس الدستوري الذي أصدر حكمه بإلغاء نتيجة الاقتراع الجزئي في الدائرة الانتخابية مولاي يعقوب بفاس، والتي كانت لصالح السيد الحسن الشهبي عن حزب الاستقلال، فأثارني الموضوع والتحليل معا كواحد من المتتبعين و القراء المواظبين على قراءة مواضيع الجريدة، و ولد لدي الرغبة في الإدلاء بدلوي فيه، غير أنني أحجمت كثيرا قبل الحسم في ذلك ؛ لأنني مجرد متتبع بسيط، أو طالب مبتدئ أمام موضوع شامخ، وتحليل باذخ لأستاذ وباحث محترف، ومتمرس، وكبير مغربيا ومغاربيا، وربما أبعد من ذلك، لكنني تذكرت أن الولدان، وإن لم تكن لهم القدرة والخبرة الكافية على فهم ومناقشة أسرار الفروسية، فإنه من حقهم أن يتساءلوا إذا كبا أو سقط الركبان والفرسان، ولذلك شكلت قناعة هذه المشاركة البسيطة المتواضعة، والتي أقدم عنها ألف اعتذار واعتذار ” لأستاذي منار”، إذا تطاير منها شيء من النقع والغبار..
– لقد فكرت مليا حتى أعياني النظر و التأمل في هذا العدد من المخاطر الذي حذر منه ” الأستاذ منار”، واكتشفه داخل قرار المجلس الدستور السالف ذكره، و تساءلت كثيرا عن لغز كونه خمسة و ليس ستة مثلا،أو سبعة، أو مئة، أو ألفا، مع العلم أن العدد خمسة عدد يتلبسنا ونتلبسه، ويحل في وجداننا ونحل فيه، فهو عدد أركان عقيدتنا السمحة، وعدد صلواتنا المفروضة، وعدد أصابع أيادينا وأقدامنا، وعدد رؤوس نجمتنا الوطنية… ثم تساءلت قائلا : هل سيستقر رأي ” الأستاذ منار” عند هذا العدد من الأخطار، أم سيطالعنا في يوم آخر بعدد آخر تبعا لمستجدات مؤسسته الوقورة في البحث والفراسة العلمية، وهي المؤهلة والجديرة بأن تتقلب في أمن وأمان في بحبوحة البحث والتحليل، وهل سيتحول العدد إلى ستة على غرار ما فعله مكتشفو الحاسة السادسة، أو إلى سبعة على غرار ما صنع بالرجال السبعة، أو إلى ثمانية على غرار عجائب الدنيا الثمانية، أو إلى تسعة على غرار تسعة رهط .. على أي فأنا أثق كثيرا في براعة مؤسسات البحث عندنا، و لا أظن إلا أن البحث سيبقى جاريا، وساريا في مؤسسة شامخة مثل مؤسسة ” أستاذنا منار”، و لن يستطيع أحد أن يوقفه لأن العلم عند الكبار يدفع بعضه بعضا، ويتناسل بعضه عن بعض بسرعة تفوق تناسل الجراد، وإن كان بين أصله وفرعه قطيعة تامة في الجينات الوراثية.. غير أنني بدوري لا أستطيع أن أكتم سر التوجس في نفسي، وسر التخوف في داخلي من شيء قد يفضي إليه بحث هذه طبيعته من جموح في الرأي، ورجم بالظن والغيب على نحو ما صنع في حق أهل الكهف الذين قيل فيهم : » ثلاثة رابعهم كلبهم، وخمسة سادسهم كلبهم، وسبعة وثامنهم كلبهم « . ولكنني إن كنت لا أستطيع إخفاء و كتمان هذا، فلا بأس أن أنصت، وأقرأ ولو قراءت المتتبع المجتهد، وأناقش ولو مناقشة الطالب المبتدئ مخاطر أربعة مما سطره ” الأستاذ منار” في بحثه مهولا، ومنذرا، ومحذرا، دون أن أخفي بدوري خوفي من مخاطر تحليله.
* مسألة الخبرة النفسية :
– تحت هذه الشبهة يعيب ” الأستاذ منار” على المجلس الدستوري مؤاخذة المطعون في انتخابه بجريرة يعتبر الفصل فيها من اختصاص جهات تفهم في النفس وأحوالها، وشطحاتها، وأهوالها، في حين أن الأمر لا يرقى إلى ذلك، وإلا فأي عاقل غير متخصص يمكن له أن ينكر أن مواصلة التحقير والمس بالكرامة طيلة التجمع أمر يدل على القصد والنية المسبقة المبيتة ؟؟؟ ثم هل يريد ” الأستاذ منار” أن تتحول مواد القانون إلى قطع غيار، وأن يتحول السادة القضاة إلى روبوات وأناس آليين وظيفتهم الميكانيكية التوليف والتركيب، والوصل بين هذه القطع ؟؟؟ أم هل يريد أن تتحول المحاكم والمجالس القضائية إلى محاكم وأجهزة إلكترونية لا تعرف الأحاسيس، ولا تفهم المشاعر، ولا تقرأ الجريمة في عيون المجرمين، ولا تفهم الإجرام من أصواتهم ونبراتهم، وسماتهم ؟؟؟ وهل نسي ” الأستاذ منار” أن المادة القانونية مهما تم التحري في دقة صياغتها وتأسيسها على أعلى درجة من الصدق والمسؤولية والأمانة فهي ليست عين الواقع بالتمام والكمال؛ إذ توجد بينهما دائما مسافة تبقى حصافة القاضي وبراعته في الاجتهاد هي التي تقلص الفجوة في هذه المسافة، وتحدد كيفية تنزيل هذه المادة على الواقع..؟؟؟ ثم هل نسي أن المادة القانونية ليست دائما مادة مجمعا عليها مئة بالمئة، حيث من المفروض أن يكون قد صوت لها من صوت، وعارضها من عارض، وامتنع من امتنع داخل المؤسسات التشريعية، وهذا من الأمور الأساسية التي جعلت الحاجة ماسة إلى مفسرين، ومحللين، وفقهاء للقانون، ولعل السلطة التقديرية للقاضي إحدى هذه النتائج، ولعل منح فرص متعددة للمتقاضين، من المحكمة الابتدائية إلـــى محكمة النقض، إلــى الدفع بعدم الاختصاص، حتى يكون القضاء قناعته في النازلة، مما يعضد ما نرمي إليه. وأنا هنا لا أدعو إلى الانقلاب على مادة استفرغت المؤسسات جهدها في تأسيسها، ولا إلى الإلقاء بها عُرض الحائط لينطلق القاضي من فراغ فيقدر كيفما شاء، ويحكم كيفما حلا له، ولكني أقول لا يكمن أن نحول القاضي إلى آلــة جامدة فيما لا يقبل ذلك.
* مسألة القراءة التقنية للقرص :
– حيث ينكر ” الأستاذ منار” قرار المجلس الدستوري الذي لم يكن مبنيا على خبرة تقنية بالأقراص المدمجة، وعلم المعلوميات، الذي يطارد الإلكترونات واحدة واحدة، وإنه صحيح بلا منازع أن الأحكام القضائية في بعض النوازل مثل التي بين أيدينا يجب أن تعتمد خبراء وخبرات في جوانبها التي لا يمكن إصدار أحكام وقرارات بشأنها، ولا يمكن للقناعة القضائية أن تتحقق بدونها؛ لكن هل يظن ” الأستاذ منار” أن عبارة : » لـم يعترض عليها المطعون فيـه « التي استعملها في تحليله أقوى دلالة مـن عبارة : » أكد المطعون فـي انتخابه لهذا التجمع و لــم ينازع فــي القرص المدمج المتعلق بتسجيله « التي وظفها المجلس الدستوري ؟ أليست العبارة الأخيرة أبلغ و أوضح في لغة القانون علـى الفعل الصادر والحاصل بتأكيد وإصرار ؟؟؟ ثـم هل سيبقى هناك داع إلى خبرة تقنية وقـد شهد شاهد من أهلها ؟؟؟
* مسألة القرص و البرامج التلفزيونية :
– حيث يرى ” الأستاذ منار” أن النصوص القانونية المنظمة للانتخابات في هذا الباب لا تستهدف الأقراص المدمجة، وإنما تستهدف البرامج التلفزية، ولذلك لا يحق للمجلس الدستوي أن يسقطها عليها، لكنني أقول ” للأستاذ منار” هل يمكن للمادة القانونية أن تحصي عدد أنفاس البشر، فتضع لكل نفس قانونا يخصه ؟؟؟ ثم إن كانت المواد القانونية التي أشرت إليها موجهة للبرامج التلفزية، فإن الأمر لا يتعلق بها باعتبارها برامج تلفزية في ذاتها ولذاتها، وإنما لكونها وسيلة لنشر وإشاعة التعرض للآخرين بالإساءة والمس بكرامتهم، فإذا كانت هذه هـي مقاصدها القصوى ومراميها البعيدة حفاظا على نظافة الفعل والعمل السياسي، والانتخابي جزء منه، فلماذا يريد ” الأستاذ منار” أن يضيق الجبة والموسع على السادة القضاة، الذين لن تصبح مهمة القضاء وهاجة فـي بلدنا دون سداد رأيهم، وعمق منطقهم في التعامل مع النوازل، والذي لا يمكن أن يتأتى لهم إلا باستقلاليتهم، وتنفسهم لنسائم الحرية ؟؟؟
* عبد الإله بن كران ومسـألـة الرمز الانتخابي :
– لـم يخف ” الأستاذ منار” خوفه أثناء مناقشته للحيثيات التي استند عليها من أن يكون المجلس الدستوري قد حول الأمين العام لحـزب العـدالـة والتنمية السيد ” عبد الإلـه بن كيران “، ومن خلاله أمناء الأحزاب السياسية إلى رموز انتخابية. وحينما يتحدث الأستاذ منار عن الرمز فإنني أجدني أتساءل قائلا : أوليست الذوات وحرماتها أسمى ما خلقت و وضعت هذه الرموز لحمايته كيف ما كان نوعها و لونها، حتى ولو كانت دينية، لأن القاعدة الشرعية تقرر أنه » أينما كانت مصلحة العباد فثم شرع الله « ، ثم أليست هذه الرموز في معظمها علامات حضارية أو سياسية أو ثقافية لا قيمة لها إلى التي يضفي عليها الإنسان ويلبسها إياها باعتبارها قيما تم التوافق عليها لخدمته وخدمة مصالحه، ثم هل نسي ” الأستاذ منار” وهو الأستاذ المفلق في ميدانه أن أم الحاجات الداعية إلى إحداث وإنتاج المادة القانونية هي الحرص على مصالح الأفراد والجماعات وحقوقهم، وأن أم الغايات من تطبيقها، والسهر على ذلك هي إرساء قواعد الأمن والاستقرار، ثم ألا يخشى تبعا لذلك وهو المنقذ المحذر من الأخطار أن يسبب استهداف الأشخاص ردود أفعال بالصاع والصاعين والألف، فيؤدي ذلك إلى إشعال الفتنة التي لا تبقي ولا تذر والتي ستصبح لاقدر الله لواحة للبشر، والشجر، والحجر، مثلما يحدث الآن أمام مرأى وأنظار العالم مما يندى له الجبين – إذا كان جبين من يحمل في نفسه شيئا من طينة آدم، بله من روحه – في سوريا، وغيرها من البلدان التي انقلب مستبدوها على ربيعها الديموقراطي … ثم حينما يدعو ” الأستاذ منار” إلى الفصل بين الأشخاص داخل ذات أو شخص اعتباري ممثلا في الحزب، باعتبار المساس بكرامة الأمين العام لحزب العدالة و التنمية ” عبد الإلــه بن كيران ” لا محل له من الإعـراب داخل القضية المعروضة على أنظار المجلس الدستوري باسم الطاعن ” محمد يوسف ” المعني وحده، و وحده في النازلـة، فإني أقول ” للأستاذ منار”: ومن يمثل محمد يوسف هنا ؟؟؟ هل يمثل ذاته، أم يمثل الحزب بكل هياكله القانونية، والأمانة العاـمة التي وقعت تزكيته على رأسها ؟؟؟ ثم حينما يشكك ” الأستاذ منار” في تأثير المساس بكرامة الأمين العام لحزب العدالة و التنمية على نتيجة الاقتراع، فإني أستغرب كيف يحرم على قضاة المجلس الدستوري الخوض في أمور تهم المختصين نفسيا، و يحلله لنفسه ؟؟؟ وأقول لـه : لماذا لـن يحصل هناك تأثير وقد استهدف حزبه بالتحقير فـي شخص أمينه العام، ومن المقولات المؤثثة لثقافتنا الشعبية أنه : » إذا انحرف مسار المخيط، فعلى طريقه سيسير الخيط « ، خاصة أن أزمنة التصويت على الأفراد قد أخذت تتوارى لصالح التصوت على الأحزاب، وبرامجها، ومصداقيتها عبر الائحة، مع أنني أود لفت نظر “الأستاذ منار” إلى أن الأمر لا يتعلق بمجرد شعارات كما قال، تقارع الحجة السياسية بالحجة السياسية بكل أخلاق العمل السياسي النظيف، وإنما هي سفاهة في القول، وبذاءة في اللفظ، و تحقير للناس، و مس بكرامتهم.
– عند هذا الحد أتوقف فيما عن لي من خلال النظر في مخاطر ” الأستاذ منار” الخمسة، وإن كنت لم آت على الخطر الخامس؛لأنني لا أرى ذلك ضروريا. وأرجو من الأستاذ المحترم أن يقبلني متتبعا متمردا بأدب على تحليله، أو طالبا مشاكسا في مؤسسته الباذخة، أو محضرا مساعدا في مختبره، فقد أفيده في تنبيهه إلى فساد بعض المواد، أو إلى انتهاء صلاحية بعض المحاليل قبل أن يقبل على إجراء تجاربه.