جدل الإعدام في المغرب.. بين السيادة الجنائية والحق في الحياة

يثير النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب جدلا متجددا تتداخل فيه الأبعاد السياسية والاجتماعية والحقوقية، بين من يعتبر الإبقاء على العقوبة ضرورة لحماية الأمن العام، ومن يرى فيها انتهاكا صريحا لحق الإنسان في الحياة.
على المستوى السياسي، يمثل الملف امتحانا صعبا للدولة في موازنة التزاماتها الدولية مع واقعها الداخلي. فالمغرب صادق على أغلب المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان، لكنه لم ينضم بعد إلى البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو ما يعكس حرصه على الحفاظ على هامش من السيادة الجنائية يتيح له التعامل مع القضايا الأمنية والإرهابية بمرونة. كما أن بعض الأصوات داخل البرلمان والحكومة ترى أن التسرع في الإلغاء قد يبعث رسائل خاطئة في سياق إقليمي متوتر، ما يجعل القرار سياسيا بقدر ما هو حقوقي.
أما على المستوى الاجتماعي، فالعقوبة ما تزال تحظى بقبول نسبي لدى فئات واسعة من المواطنين الذين يعتبرونها رادعا ضروريا في مواجهة الجرائم البشعة، وهو ما يجعل أي خطوة نحو الإلغاء الكامل بحاجة إلى تمهيد ثقافي وتوعوي يبدّل نظرة المجتمع إلى مفهوم العدالة والعقاب. فالثقافة الشعبية ما تزال تميل إلى القصاص بوصفه تجسيدا للعدالة الإلهية، لا مجرد إجراء قانوني.
حقوقيا، يقف المغرب في منطقة وسطى بين التنفيذ والإلغاء. فهو لم ينفذ أي حكم منذ التسعينات، لكنه لم يُلغِ العقوبة من نصوصه، في ما يُعرف بـ”التجميد الواقعي”. هذا الوضع يُمكّنه من الحفاظ على صورته الإيجابية دوليا دون المساس بتوازنه الداخلي، لكنه يفتح في المقابل الباب أمام انتقادات المنظمات الحقوقية التي ترى في التأجيل المتكرر ترددا غير مبرر في حسم موقف أخلاقي وإنساني واضح.
من زاوية فلسفية، يكشف الجدل حول الإعدام عن مواجهة صامتة بين منطق الدولة ومنطق الإنسان. فالدولة تسعى إلى الحفاظ على النظام العام بالردع، بينما تدافع الحركات الحقوقية عن فكرة أن العدالة لا يجب أن تُمارَس بالموت، وأن الحق في الحياة يظل قيمة مطلقة لا يمكن إخضاعها لمنطق المصلحة أو الانتقام.
في النهاية، يبدو أن المغرب يعيش مرحلة انتقالية في تعامله مع هذه القضية الحساسة، حيث لم يعد الإعدام ممارسة فعلية، لكنه ما يزال رمزا قانونيا قائما، ينتظر لحظة حسم تتطلب شجاعة سياسية ونضجا مجتمعيا لتجاوز منطق العقاب نحو أفق إصلاحي وإنساني أرحب.




