تهريب مالي منظم ينهك خزينة الدولة ويعيد سؤال الرقابة الجمركية

لا يكاد يمر وقت طويل حتى تكشف التحقيقات عن أساليب جديدة للتهرب من الرسوم الجمركية، لكن ما أثير مؤخرا بخصوص شبكة من المستوردين يؤشر على أن الأمر يتجاوز مجرد خروقات فردية ليقترب من نمط تهريب مالي منظم يهدد الاقتصاد الوطني.
مصادر من داخل إدارة الجمارك أكدت أن الفرقة الوطنية فتحت تحقيقا شاملا بعد الاشتباه في عمليات استيراد مشبوهة لبضائع قادمة أساسا من الصين عبر ميناءي طنجة المتوسط والدار البيضاء. فقد تبين أن عددا من الفواتير والشهادات البنكية جرى تزويرها بشكل متعمد لتصغير القيمة الحقيقية للبضائع، وهو ما مكن المتورطين من تقليص المبالغ المؤداة لفائدة الخزينة.
لكن الأخطر، وفق ما أفرزته التحريات الأولية، هو أن جزءا من الأموال التي كان يفترض أن تمر عبر القنوات الرسمية جرى تحويله بطرق غير نظامية لإعادة توطينه في الصين، في عملية مزدوجة تضر بالمالية العمومية وتساهم في تنشيط سوق موازية للتحويلات المالية. التقديرات تتحدث عن مبالغ تقترب من 870 مليون درهم تخص معاملات ما يزيد عن عشرين مستوردا.
تحليل هذه الممارسات يبين أن الظاهرة لم تعد مجرد غش جمركي عابر، بل آلية تهريب معقدة تمزج بين التزوير المالي والتحايل التجاري، مستفيدة من ثغرات في المراقبة وضعف التنسيق بين الجمارك والبنوك وبعض الأجهزة الرقابية. وهو ما يعيد طرح أسئلة صعبة حول فعالية السياسات المعتمدة لمواجهة التهرب الضريبي والجمركي.
السلطات الجمركية أعلنت أنها تعمل بالتنسيق مع مؤسسات مالية دولية لتتبع المسارات المظلمة لهذه الأموال، وهو توجه ضروري لأن مثل هذه العمليات لا تقتصر آثارها على الخسارة المباشرة للخزينة، بل تخلق أيضا منافسة غير عادلة بين الفاعلين الاقتصاديين وتضرب في الصميم مناخ الثقة في الاقتصاد الوطني.
التحقيقات ما زالت جارية، لكن المؤكد أن الملف سيفتح من جديد النقاش حول ضرورة تحديث آليات المراقبة وتفعيل الرقابة البعدية بصرامة أكبر، حتى لا تبقى الحدود منفذا سهلا أمام شبكات تفضل تضخيم أرباحها على حساب المصلحة العامة.




