تحفظات على مشروع المجلس الوطني للصحافة

أثار مشروع القانون رقم 25.26 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة نقاشا واسعا داخل مجلس المستشارين، بعدما عبّر كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن تحفظات جوهرية بشأن مضامينه، معتبرين أنه في صيغته الحالية لا يواكب تطلعات المجتمع المغربي نحو تعزيز حرية الصحافة واستقلالها.
ففي اللقاء الدراسي الذي نظمه مجلس المستشارين يوم الاثنين، شدد ممثلو المؤسستين الدستوريتين على أن النص الجديد يغلب عليه الطابع التأديبي، ويمنح سلطات واسعة لهيئة واحدة، دون توفير الضمانات الكافية للمحاكمة العادلة أو صون استقلالية الصحفيين والمؤسسات الإعلامية. هذا الطرح يضع المشروع في قلب جدل أوسع حول التوازن الدقيق بين التنظيم المهني والرقابة المفرطة التي قد تتحول إلى آلية لتكميم الأصوات.
من الناحية القانونية، يسعى المشروع إلى مراجعة الإطار الذي ينظم عمل المجلس الوطني للصحافة، بهدف تحسين فعاليته وضبط الممارسة الصحفية وفق معايير أخلاقية ومهنية أكثر صرامة. غير أن منتقديه يرون أن المنهج المعتمد يركّز على العقوبات والمساطر الزجرية أكثر من تركيزه على تطوير المهنة وتأهيلها، وهو ما يثير تخوفات من تحويل المجلس من هيئة مستقلة إلى جهاز تأديبي يخضع لمنطق السلطة بدل منطق التنظيم الذاتي.
التحفظات الصادرة عن المجلسين تعكس وعيا متزايدا بأن إصلاح قطاع الصحافة لا يمكن أن يتحقق فقط عبر تشديد العقوبات أو تضييق هامش الحرية، بل عبر إرساء إطار يضمن التوازن بين المسؤولية المهنية والحرية التحريرية. فالصحافة في المغرب، رغم ما تعرفه من تحديات مادية ومؤسساتية، تظل إحدى أدوات المراقبة والمساءلة، وأي تراجع في استقلالها سيضعف الثقة العامة في الإعلام، ويقيد دوره في تقوية النقاش العمومي.
النقاش حول هذا المشروع، إذن، ليس مجرد جدل قانوني تقني، بل هو اختبار حقيقي لإرادة الدولة في ترسيخ حرية الصحافة كركيزة أساسية في النموذج الديمقراطي المغربي. فبين من يدافع عن ضرورة ضبط المجال الإعلامي ومن يطالب بتوسيع هامش الحرية، يبدو أن المستقبل سيحسمه التوافق على صيغة توازن بين التنظيم والمسؤولية، دون المساس بجوهر المهنة التي لا تزدهر إلا في فضاء الحرية والثقة.




