مشروع قانون انتخابي جديد يفتح معركة حاسمة ضد الفساد السياسي في المغرب

أثار مشروع القانون الجديد المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية، بعدما حمل في طياته إجراءات غير مسبوقة تروم محاصرة الفساد الانتخابي وتجفيف منابعه. فالمشرع هذه المرة يبدو مصمما على إحداث قطيعة حقيقية مع الممارسات التي شوهت العملية الديمقراطية وأفقدت المواطنين الثقة في صناديق الاقتراع.
القانون المقترح لا يكتفي بإعلان النوايا، بل يتضمن تدابير صارمة تمثل ثورة في المنظومة الانتخابية، أبرزها إسقاط اللائحة الانتخابية بأكملها في حال ثبوت تورط أي من أعضائها في استعمال المال أو التأثير غير المشروع على الناخبين، حتى لو كان المخالف في مراتب متأخرة ودون فرصة فعلية للفوز. وهي خطوة غير مألوفة في التشريع المغربي، تنقل المسؤولية من الفرد إلى الكيان الحزبي أو اللائحة برمتها، بما يعزز ثقافة الانضباط والمحاسبة الجماعية.
ولم يقف المشروع عند هذا الحد، بل رفع من سقف العقوبات لتشمل السجن والمنع من الترشح لدورتين انتخابيتين متتاليتين، في رسالة سياسية واضحة بأن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى، وأن العملية الانتخابية لم تعد ساحة للمساومات أو للمال السياسي، بل مجالا للتنافس النزيه وخدمة الصالح العام.
هذه المستجدات يكشف أن المشرع يسعى إلى إعادة التوازن إلى المشهد السياسي من خلال ضرب البنية التي راكمت الثروة والنفوذ عبر التلاعب بإرادة الناخبين. فإسقاط اللائحة بكاملها يضع الأحزاب أمام مسؤولياتها الأخلاقية والتنظيمية، ويدفعها إلى تنقية صفوفها من المفسدين قبل تقديم مرشحيها للناخبين.
الغاية الأعمق من هذا التحول هي استعادة الثقة المفقودة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة، وإعادة الاعتبار لقيمة التصويت الحر والمسؤول باعتباره جوهر العملية الديمقراطية. كما أن هذه المقاربة الصارمة قد تفتح الباب أمام جيل سياسي جديد أكثر نظافة ووعيا بمتطلبات المرحلة، ما من شأنه أن ينعكس إيجابا على جودة التمثيلية داخل البرلمان وعلى صورة السياسة في أعين المغاربة.
بهذا القانون، يعلن المغرب دخوله مرحلة جديدة من الشفافية السياسية، حيث يصبح المال الأسود عبئا لا وسيلة، وتتحول المسؤولية الانتخابية من شعار إلى التزام فعلي يربط بين الثقة والمحاسبة، وبين المشاركة والنزاهة.




