بعد سنوات الربيع: المغاربة أكثر ذكاء وفطنة من المصريين

انقضت سنوات الربيع العربي التي منحت التيارات الإسلامية موقع الصدارة في الحكم والتسيير، بنتائجها المتفاوتة بحسب طبيعة الحراك الذي عاشته كل دولة على حدة بحسب دينامية المكونات المشكلة والمؤثرة في المشهد بتفاعلاتها ومدها وجزرها. فقد كانت المطالب المتشابهة أحيانا تتقاطع في إرساء نموذج ديمقراطي يحترم دور الشعوب في المساهمة في عملية بنائه وتقدير صوته الانتخابي باعتباره مؤثرا ومحددا للتوجه العام للدولة؛ كما خرجت الجماهير للمطالبة بالاستفادة من مقدرات أوطانها بما يتماشى وتحقيق مطلب العدالة الاجتماعية على أساس مواطنة حقة تستند على توزيع عادل ومتكافئ للثروات بحسب الفئات والجهات الجغرافية…..وان كانت هذه المطالب مرفوعة منذ بداية انفصال الدول العربية عن الإمبراطورية العثمانية وبداية إرساء دعائم الدولة القطرية كاختيار، فان الربيع العربي فتح مجالا واسعا لإعادة إحياء هذه المطالب وتحيينها تماشيا مع التغيرات العالمية والإقليمية والمحلية.
غير أن التساؤل غاب عن أذهان العديد والمرتبط بدرجة الوعي الجمعي الذي بلغته هذه الجماهير وقدرتها على استيعاب طبيعة المرحلة والرهانات المرتبطة بها خاصة وأن البلدان العربية عانت ولا زالت تعاني من تفشي الجهل وانتشار مظاهر الفقر والهشاشة على أكثر من صعيد. وإذا انضافت هذه الأبعاد إلى اصطفاف أشباه المثقفين وأنصاف الرجال وخردة النخبة في طوابير لإعادة رسم المشهد وفق اختيارات غير التي ارتضتها الشعوب فان المشهد لا يغدو أن يكون سوى مسرحية تراجيدية بكل المقاييس.
ففي مصر مثلا وبعد صعود الإخوان المسلمين للحكم، طفا للسطح نقاش حاد مع الفنانين بلغ حد التكفير ووصل صداه ردهات المحاكم، وفق منهج مدروس بإحكام غايته اثباث أن هؤلاء القادمين من صف المعارضة يكنون عداء للفن والفنانين ولا يتوفون على “ذوق” يرتقي بهم إلى فهم الإبداع الفني بمختلف أشكاله. أما في المغرب فقد حاول البعض تكييف الوضع بما يتماشى والهجوم على الحريات الفردية، وتجندت صحفا وقنوات تلفزية وبعض الفنانين الذين “تفتقت” عبقريتهم بالتعري تارة والتفكه تارة أخرى منتظرين ردة فعل من هذا الجانب أو ذاك ليبدو المشهد كسابقه. إلا أن تخطيطهم باء بالفشل بالنظر إلى الفطنة واليقظة التي تميز المغاربة عادة وانهماك من هم في السلطة بأمور أكثر حدة و ملحا حية عن مناقشة التفا هات.
وفي مصر كذلك، تجندت اللوبيات لقطع الخبز عن المواطنين رغم توصل المطاحن بنصيبها من القمح وكذا الامتناع عن تزويدهم بالبنزين أو الكازوال رغم توفر المحطات على هذه المادة…..وفي المغرب كذلك انخرطت بعض اللوبيات ومعها طابورها الخامس في نفس النهج، بمحاولة العمل على تأزيم الوضع بالتركيز على موضوع الغاز تارة أو الخبز تارة أخرى وبلغت ذروتها بزيادة مهولة في فواتير الماء والكهرباء أياما قليلة من إضراب وطني عام كان بالنسبة لمهندسي هذا النفخ المبالغ فيه لحظة ثورة المغاربة على هذه الحكومة …. غير أن كل أحلامهم أجهضت وتكلف ذكاء المغاربة وفطنتهم برسم معالم دولة يسود فيها القانون والمؤسسات.
وفي مصر أيضا فتح نقاش فقهي تكلفت قنوات فضائية باثارته وانقسم “الفقهاء” بينهم وتقاذفوا تجاه بعضهم البعض تهما وصلت حد الكفر، بما فيها مؤسسة الأزهر نفسها. وفي المغرب بدأ الأمر بإثارة نقاش حول الإرث المتعلق بنصيب المرأة منه، وذهب بعض “الدعاة” إلى مساواتها بالرجل، بالإضافة إلى مسألة الحرية الجنسية والتي كانت قضيتة منها معروضة على القضاء……
وفي المحصلة، أصدرت محكمة الجنايات بمصر حكما ببراءة الرئيس حسني مبارك ومن معه من كل التهم الموجهة إليهم. حكم جعل المشهد المصري مكتملا بكل أركانه، تجييش وانقلاب تم براءة بما يشبه أفلام السينما و الأكشن. لن يكون المشاهد مستمتعا بلقطاتها ودقة تصويرها وإخراجها، بل بالعكس يتشرب مرارتها كل لحظة لكونه كان ضحية تضليل واستهزاء. وفي المغرب كذلك هناك العديد من الملفات المعروضة أمام القضاء، ونحن ننتظر مع المنتظرين ونأمل ألا تكون كالقضايا التي تاهت ملفاتها في ردهات المحاكم وانتهت صفرا. ملفات مسؤولين اختلسوا ملايير الدراهم ويتجولون بالمدن ويتصدرون في بعض الأحيان لقطات الكاميرات ، وقضايا سيثبث القضاء من خلالها قدرته على صيانة سلطته بعيدا عن التحكم ومنطق التعليمات.
هذه بعض الجولات، أثبت المغاربة أنهم أكثر الشعوب العربية ذكاء، وهذا ليس مبالغة أو إطراء في غير محله بل حقيقة تاريخية تتجسد يوما بعد يوم. ذلك أن دماؤهم هي دماء المقاومين الذين قادوا ثورة ضد الظلم الاستعماري، وجيناتهم جينات الأحرار الذين لا يرضون بالذل والهوان. فكل هذه حملات المغرضة التي نتابعها كل دقيقة وكل يوم المتعلقة بالتشكيك والتخويف والتقليل من أهمية القرارات المتخذة من طرف الحكومة، لابد وأن يدفعنا للتساؤل؟ لماذا؟ إذا كانت القرارات التي تتخذها هذه الحكومة هي بالصورة التي يروينها، فليتركوها في مواجهة المواطنين بعيدا عن كل أشكال الوصاية؟ لو علموا أنها كذلك لما عارضوها، لكنهم يعرفون حق المعرفة أن الوضع في المغرب بدأ يأخذ مساره الصحيح نعم بأعباء إضافية هي في الحقيقة مرتبطة بالمناخ الاقتصادي العالمي والوطني.
إذ لا يعقل أن تكون الشركات المتوافدة على المغرب بهدف الاستثمار غبية إلى درجة عدم تقدير الوضع ومناخ الاستثمار به، ولا يعقل كذلك أن هؤلاء المستثمرين يسترخصون ملايينهم وملاييرهم، وكيفما كانت العملة التي يتداولون بها، في اختيارهم للمغرب كوجهة مفضلة، ولا يعقل أن الوفود الرسمية من رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء يشهدون بالوضع الذي يمثله لهم المغرب في مجال للاستثمار….إلا إذا كان كل هؤلاء ينبغي عليهم الاستعانة “بمكاتب الدراسات” التي تتوفر عليها بعض النقابات وبعض الأحزاب وبعض الجمعيات بالمغرب لاستشارتهم في المجال؟؟؟؟؟