برادة.. من صناعة الحلويات إلى “تسويق التعليم”

من يتابع خطاب الوزير برادة، يلاحظ بسرعة أن لغة السوق والترويج التجاري تسللت إلى قاموسه الوزاري. فالرجل القادم من عالم الحلويات، يبدو أنه ما زال ينظر إلى التعليم كمنتوج يحتاج إلى تغليف جميل وشعار لامع كي يجذب الزبائن، لا كقطاع عمومي يتطلب رؤية إصلاحية جذرية ومسؤولية اجتماعية.
حين يقول الوزير إن تسقيف سن التوظيف يحقق جاذبية أكبر لمهنة التعليم، فإن الصورة التي يرسمها تشبه حملة إشهارية أكثر مما تشبه سياسة تعليمية. إنه يحدثنا بلسان المسوق لا بلسان المصلح، وكأن المدرسة مجرد واجهة عرض، والمعلمين مجرد موظفين في خط إنتاج هدفه “تحسين صورة المنتوج” أمام الرأي العام.
لكن الواقع مختلف تماما. التعليم في المغرب ليس مسألة “تغليف جذاب”، بل قضية عدالة اجتماعية ومساواة في الفرص، وملف يهم مصير أجيال كاملة. فكيف يمكن إصلاحه بعقلية رجل أعمال يبحث عن “زبائن” بدل أن يبحث عن مواطنين متعلمين وواعين؟
إن منطق “تسويق المدرسة” يعكس تحولا خطيرا في فهم وظيفة الدولة، من راعية للحقوق إلى شركة تبيع الخدمات. والوزير الذي كان يختار ألوان الحلوى وأسماء المنتجات، صار اليوم يختار أعمار المدرسين كأنهم عناصر في حملة تسويقية جديدة.
في النهاية، لا يمكن بناء تعليم قوي بعقلية المقاول الذي يحسب الأرباح والخسائر، بل بعقلية المربي الذي يؤمن بأن الإنسان ليس زبونا، بل قيمة.
أما تحويل المدرسة إلى منتوج للترويج، فهو أخطر ما يمكن أن يصيب التعليم: أن يعامل كسلعة في يد من يجهل جوهره.




