أقلام حرةالعالم

باكستان تُجمّل صورة من دمّرها

في خطوة مفاجئة، رشّحت حكومة باكستان دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام. فقدّمت هذا الترشيح على أساس ما وصفته بدوره في التهدئة الأخيرة بين باكستان والهند. مع ذلك، لا تتماشى هذه الرواية مع ما جرى ميدانيًا، خاصة أن الكثير من المعطيات ينفي أي تدخل مباشر من جانب ترامب. في الواقع، تظهر الملابسات كأنها قراءة سياسية انتقائية أكثر منها استناد إلى وقائع واضحة.

لا وساطة ولا مبادرة ولا تدخل فعلي

في حين أن الحكومة الباكستانية ضخّمت الدور الأمريكي، لم يطلق ترامب أي مبادرة دبلوماسية. لم يُجْرِ اتصالات علنية مع الطرفين. لم يقدّم مقترحًا عمليًا لتخفيف التصعيد. في المقابل، أدارت القيادتان العسكريتان في الهند وباكستان اتصالات مباشرة أنهت حالة التوتر. بالتالي، تبدو الحجة الباكستانية غير مؤسسة، خصوصًا أن الخطوة لم ترتكز إلى إجراءات موثقة أو جهود علنية.

سجل ترامب يقوّض الترشيح

علاوة على ذلك، لم يقدّم ترامب في السابق ما يدعمه كصانع سلام. فقد انسحب من اتفاقيات دولية، مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي مع إيران. إضافة إلى ذلك، هدّد خصومه باستخدام القوة، وقلّص أدوار المؤسسات الدولية. في الداخل الأمريكي، غذّى الانقسامات، وحرّض على الاحتقان السياسي. كما دعم خطوات زادت التوتر في الشرق الأوسط، أبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. لذلك، لا تنسجم سيرته مع القيم التي تحتفي بها جائزة نوبل.

باكستان تبحث عن تقارب أمريكي بأي ثمن

في هذا السياق، حاولت الحكومة الباكستانية فتح قناة محتملة مع إدارة أمريكية جديدة قد يقودها ترامب. لكن بدل أن تضع المبادئ في قلب تحركاتها، اختارت منطق التملق السياسي. من ناحية أخرى، تجاهلت أثر هذه الخطوة على صورتها في الخارج. وهكذا، فضّلت المصالح الظرفية على الالتزام بالثوابت الأخلاقية.

نوبل تتعرض للتشويه مجددًا

من جهة أخرى، يخلق هذا الترشيح ارتباكًا في فهم وظيفة جائزة نوبل. فحين يُستخدم اسم الجائزة لأغراض سياسية، تفقد رمزيتها تدريجيًا. في كل مرة يُقترَح اسم لا يتوافق مع قيم السلام، يتراجع احترام الجائزة عالميًا. بالتالي، يؤدّي هذا الاستخدام المغشوش إلى إضعاف دور الجائزة بدل تعزيزه.

دولة تُسيء لنفسها أمام العالم

رغم أن باكستان تملك تقاليد دبلوماسية عريقة، اختارت خطابًا خاليًا من الحذر السياسي. بدل تقديم دور مسؤول ومتوازن، قرّرت الاصطفاف خلف شخصية تثير الجدل عالميًا. بينما كانت قادرة على التموقع كوسيط موثوق، فضّلت الدخول في لعبة ترويج خاسرة. إضافة إلى ذلك، لم تحصّن خطابها السياسي بالثبات أو التماسك.

الرسائل الخاطئة تُفقد المعنى

كل ترشيح يُحمَّل دلالات رمزية. لهذا السبب، يرتبط اسم ترامب بسلسلة من القرارات المثيرة للجدل. لا يمكن فصل الخطوة عن هذه الحمولة السياسية. مع أن الجائزة من المفترض أن تكرّم صناع السلام، تساهم هذه الترشيحات في قلب المعايير. وبذلك، يُساء استخدام رمزية نوبل كلما قُدّم اسم لا يجسّد مضمونها.

جائزة عالمية تُقايض بالسياسة

على ضوء كل ما سبق، يتضح أن الحكومة الباكستانية لم تعتمد رؤية استراتيجية. بل راهنت على ربح مؤقت مقابل خسارة رمزية طويلة الأمد. في سياق كهذا، تصبح الجائزة وسيلة دعائية لا أكثر. ومع أن بعض الحكومات تتبنى حسابات ظرفية، فإن التضحية بالمبادئ تقوّض المصداقية أكثر مما تخدم المصالح.

لا سلام مع التشويه ولا مصداقية مع التواطؤ

ترامب لم يصنع السلام. لم يقدّم مبادرات فعلية. لم يُثبت التزامًا حقيقيًا بالقيم الكونية. في المقابل، استخدمت باكستان هذا الترشيح كرسالة سياسية، لا كاعتراف حقيقي بمسار دبلوماسي. وبذلك، أضعفت الجائزة، وشكّكت العالم في مبرراتها. أما النتيجة، فجاءت واضحة: لا الجائزة ربحت، ولا باكستان أقنعت، ولا ترامب تغيّر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى