العالم

اوروبا والطفولة المفقودة.. حين يتحول نظام الحماية الى باب للاتجار الانساني

في واقعة صادمة تهز الضمير الاوروبي، كشفت الشرطة الاسبانية عن شبكة احتيال استغلت نظام حماية القاصرين بطريقة لا تقل قسوة عن الجريمة نفسها: اباء يتخلون عن اطفالهم عمدا، وموظفون يتواطؤون من اجل تحويل معاناة الطفولة الى مصدر دخل.

لكن خلف الارقام والبلاغات الرسمية، تبرز مأساة اكبر: منظومة هجرة معطوبة، تغري الفقراء والاجانب بحلم الرفاه، ثم تدفعهم الى اليأس حين يصطدمون بجدران البيروقراطية الاوروبية. ففي محاولة للهروب من الفقر او لتسوية الوضع القانوني، يجد بعض المهاجرين انفسهم امام خيار لا انساني — التخلي عن ابنائهم مؤقتا لاستغلال برامج الدعم الاجتماعي التي توفرها الدولة للقاصرين غير المصحوبين.

القضية، التي انفجرت في مدينة تاراغونا باسبانيا، واسفرت عن اعتقال اكثر من ثلاثين شخصا، بينهم موظفون واباء، ليست سوى قمة جبل الجليد. فهذه الممارسات، وان كانت غير قانونية، تكشف هشاشة السياسات الاجتماعية الاوروبية امام ظواهر الفقر والهجرة. كيف يمكن لنظام صمم لحماية الاطفال ان يتحول الى اداة استغلال؟

الجواب، كما يرى مراقبون، يكمن في التناقض الاخلاقي الذي يطبع سياسات الهجرة الاوروبية: فهي تعاقب الاسر المهاجرة باسم القانون، وتستغل مأساة اطفالهم لتلميع صورة الانسانية الاوروبية. وفي النهاية، يبقى الطفل نفسه هو الضحية — ضحية فقر عابر للحدود، ونظام اداري لا يرى في الانسان سوى ملف رقم وورقة اقامة.

القصة اذن ليست فقط عن احتيال على نظام، بل عن فشل حضاري في صون كرامة الطفولة وسط عالم يتاجر بالبؤس ويحول معاناة البشر الى مادة سياسية. فحين تترك الطفولة وحيدة بين مطرقة الفقر وسندان البيروقراطية، يصبح الاحتيال مجرد عرض لمرض اعمق اسمه اللامساواة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى