النظام الجزائري بين العزلة الدبلوماسية والمناورات البئيسة في تندوف

تعيش الجزائر في الآونة الأخيرة حالة من الارتباك السياسي والدبلوماسي غير المسبوق، بعد أن وجدت نفسها في مواجهة حقائق جديدة على الأرض، أبرزها التحول الكبير في الموقف الدولي تجاه قضية الصحراء المغربية، واتساع دائرة الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحلّ وحيد وواقعي للنزاع المفتعل.
في هذا السياق، كشفت مصادر ميدانية عن إطلاق الجزائر لجسر جوي مكثف نحو مخيمات تندوف، عبر رحلات عسكرية ومدنية متواصلة، في خطوة تُظهر بوضوح أن النظام الجزائري يختنق داخل زوايا فشله الدبلوماسي، ويحاول اليوم افتعال حركات احتجاجية مصطنعة لتغطية عجزه عن مواجهة الواقع الدولي الجديد.
المعلومات المتواترة تفيد بأن السلطات الجزائرية لم تكتف بنقل المدنيين، بل دفعت بعناصر من الجيش والأمن والمخابرات إلى تندوف بلباس مدني، في مسرحية معدّة مسبقا لإيهام الرأي العام الدولي بوجود “رفض شعبي” لمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب وحظي بدعم متزايد من واشنطن، باريس، مدريد، والعديد من العواصم الإفريقية والعربية.
هذه الخطوة ليست إلا حلقة جديدة في سلسلة المناورات التي دأب عليها النظام الجزائري منذ عقود، حينما أدرك أن مشروعه الانفصالي فشل في كسب الشرعية، وأن “جبهة البوليساريو” التي صنعها بنفسه لم تعد سوى واجهة مهترئة لمخطط توسعي خسر كل أوراقه. فبعد سنوات من التمويل السياسي والإعلامي والعسكري، وجد النظام الجزائري نفسه أمام كيان منهك يعيش على المساعدات الدولية، وداخل مخيمات تختنق باليأس والفساد والاحتقان.
تحاول الجزائر من خلال هذه التعبئة الجوية المكثفة أن تخلق ضجيجا إعلاميا يعوض خسائرها الدبلوماسية المتتالية، خاصة بعد أن أصبحت المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحظى بإجماع دولي غير مسبوق، بوصفها حلا سياسيا سلميا يحترم وحدة المغرب الترابية ويضمن كرامة ساكنة الأقاليم الجنوبية في إطار سيادة وطنية كاملة.
لكن المفارقة الصارخة تكمن في الخطاب الرسمي الجزائري الذي يدّعي الدفاع عن “حق الشعوب في تقرير مصيرها”، في الوقت الذي يفرض فيه حصارا قاسيا على سكان المخيمات، ويمنعهم من حرية التعبير والتنقل، بل يستخدمهم كورقة سياسية للتسول الدبلوماسي وتبرير الوجود العسكري في الصحراء الشرقية. فكيف يمكن لنظام يتشدق بحقوق الشعوب أن يصادر أبسط حقوق من يزعم الدفاع عنهم؟
المراقبون يرون أن هذه التحركات البئيسة تعكس عمق الأزمة التي يعيشها النظام الجزائري داخليا وخارجيا. فداخليا، يواجه تململا اجتماعيا متزايدا وأزمة اقتصادية خانقة رغم ارتفاع أسعار النفط، وخارجيا، يواجه عزلة متنامية بعد انكشاف تورطه في زعزعة استقرار الجوار الإفريقي، من مالي إلى النيجر.
لقد سقط القناع، ولم تعد تندوف سوى مرآة تعكس إفلاس مشروع انفصالي فقد كل مصداقية. أما المغرب، فماضٍ بثبات في تنمية أقاليمه الجنوبية، وبناء واقع جديد يفرض نفسه على الأرض، ويجعل كل محاولات الجزائر مجرد صدى باهت لأحلام قديمة ماتت في صمت.
إن الجسر الجوي الذي تسيره الجزائر اليوم نحو تندوف ليس جسرا للتعبئة، بل جسر للهروب من الحقيقة؛ حقيقة أن التاريخ يسير في اتجاه واحد، وأن الصحراء مغربية إلى الأبد، مهما حاول النظام الجزائري تأجيل الاعتراف بذلك.




