المولد النبوي في المغرب.. احتفال ضارب في الجذور التاريخية

يحتل المولد النبوي الشريف مكانة بارزة في وجدان المغاربة، إذ ارتبط منذ قرون بمظاهر الفرح الجماعي والتعبير عن المحبة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وتشير المصادر التاريخية إلى أن أول من دعا إلى إحياء هذه المناسبة في المغرب كان العالم أبو العباس العزفي السبتي المتوفى سنة 633 هـ، من خلال كتابه “الدر المنظم في مولد النبي المعظم”، حيث أبرز ضرورة الاحتفاء بالمولد لتذكير الناس بخصال النبي العطرة وتعاليمه السامية.
ابنه أبو القاسم العزفي واصل هذا النهج، فحرص على ترسيخ عادة الاحتفال في مدينة سبتة قبل أن تنتشر إلى باقي المدن المغربية. ومع عهد السلطان المريني أبو يعقوب يوسف، ثم ابن عذاري المراكشي، تعزز هذا التقليد ليتحول إلى طقس رسمي وشعبي راسخ في الحياة الدينية والثقافية للمغرب.
الاحتفال بالمولد النبوي في المغرب يأخذ أبعادا متعددة، منها ما هو رسمي يتجلى في تنظيم مواكب واحتفالات كبرى، ومنها ما هو شعبي يظهر في التجمعات الأسرية والولائم والإنشاد الديني والمديح النبوي. وفي كل سنة، يصدح المغاربة بالابتهالات والمدائح، ويجتمعون على موائد الذكر، مستحضرين مكانة الرسول الكريم وسيرته المضيئة.
هذا التقليد، الذي امتد لقرون، لم يكن مجرد طقس احتفالي، بل تحول إلى جزء من الهوية الدينية والثقافية للمغاربة، يجمع بين التعبير عن المحبة للنبي عليه الصلاة والسلام، وبين تعزيز قيم التكافل الاجتماعي والإحسان. وهو ما جعل المغرب يتميز بخصوصية كبيرة في إحياء هذه المناسبة، تجمع بين الرسمي والشعبي، وتكرس المولد النبوي كمحطة روحية سنوية تعكس عمق الارتباط بالرسول الكريم.