المغرب

المغرب يثبت مبادرة الحكم الذاتي ويعيد رسم خارطة التحالفات الدولية

في خطابه الاخير، وجه الملك محمد السادس رسائل دبلوماسية مركزة، تترجم ثوابت السياسة المغربية بخصوص قضية الصحراء، معززة بواقعية سياسية تنهل من التراكم الدبلوماسي للمملكة، وتحاكي التحولات الدولية بلغة استراتيجية دقيقة.الاشادة العلنية بالموقفين البريطاني والبرتغالي، لم تات من باب المجاملة او المجرد من الدلالة، بل تحمل شحنة رمزية قوية. فالمغرب، اذ يثمن موقف بلدين اوروبيين من خارج النمط التقليدي (فرنسا واسبانيا)، فانه يعلن، ضمنيا، ان محور التاييد لمبادرة الحكم الذاتي آخذ في التوسع، وان موازين الدعم الدولي تنزاح نحو مقاربة مغربية تحظى بتزكية اممية وواقعية ميدانية.

عبارة “موقفهما البناء الذي يساند مبادرة الحكم الذاتي في اطار سيادة المغرب على صحرائه” ليست مجرد صيغة دبلوماسية، بل هي ترسيخ لمعادلة لم تعد تحتمل الغموض: السيادة فوق التفاوض، والحكم الذاتي هو الحد الاقصى من التنازل الذي يمكن للمغرب ان يقدمه. وهذه رسالة موجهة للخصوم قبل الحلفاء.

في الان ذاته، حمل الخطاب لغة توافقية ذكية، حين اكد على حرص المغرب على “حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب”، يحفظ ماء وجه جميع الاطراف. هذه الصيغة، التي تبدو في ظاهرها تهدئة، تحمل في العمق مناورة سياسية مرنة، تظهر المغرب كطرف منفتح ومسؤول، لكنها لا تعني التراجع عن اي ثابت سيادي.

بل هي محاولة لابقاء باب الحوار مفتوحا، دون التخلي عن المرجعية المغربية للحل.من زاوية اخرى، فان هذا الخطاب يكرس توجه المغرب نحو تنويع الشركاء الاستراتيجيين، والتخفيف من الارتباط التقليدي بمحور باريس – مدريد، خصوصا في ظل تذبذب مواقف بعض الدول الاوروبية التاريخية تجاه قضية الصحراء. وبالتالي، فالاشارة الى لندن ولشبونة، هي ايضا رسالة غير مباشرة لحكومات تتردد او تساير حسابات اقليمية ضيقة على حساب الحق المغربي.كما ان ربط الخطاب بين الدعم الدولي المتزايد ومبادرة الحكم الذاتي، يحول هذه الاخيرة من مجرد اقتراح سياسي الى مرجعية دولية غير رسمية، تستند الى تراكمات ميدانية (الاستقرار، التنمية، المؤسسات المنتخبة) والى مشروعية قانونية عززتها قرارات مجلس الامن.وبين التاكيد على السيادة والدعوة الى حل “لا غالب فيه ولا مغلوب”، ينجح المغرب مرة اخرى في الجمع بين الصلابة التفاوضية والمرونة السياسية، مقدما نموذجا لدولة تدير نزاعا اقليميا طويل الامد بمنطق استباقي ورؤية استراتيجية.

خلاصة القول، ان خطاب الملك محمد السادس لا يكتفي بتثبيت موقع المغرب في معادلة الصحراء، بل يسعى الى اعادة تشكيل ميزان الشرعية الدولية، عبر تاطير النزاع بلغة تحالفات جديدة، وبدينامية سياسية ترسم المستقبل من موقع السيادة، لا المساومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى