
لم يكن قرار منع شعائر عيد الأضحى في بعض المدن الإسبانية، ومنع صلاة العيد في الساحات العامة، مجرد إجراء إداري عابر. بل بدا، في توقيته ومضامينه، مؤشرا على انزياح جديد نحو اليمين المتطرف، وانزلاق في خطاب الهوية الوطنية على حساب مبادئ التعدد والحرية الدينية.
فالقرارات الصادرة في عدد من البلديات، وخصوصا تلك التي يتحالف فيها الحزب الشعبي (PP) مع حزب فوكس (VOX) اليميني المتشدد، تعيد إلى الأذهان حقبة قاتمة من تاريخ إسبانيا، حيث كانت الدولة تحت حكم الجنرال فرانكو تفرض هوية دينية وثقافية واحدة، وتقمع كل مظاهر التنوع.
اليوم، يعاد إنتاج هذا النمط من التحكم الرمزي، ولكن بأساليب جديدة: يتم تجريم المظاهر الإسلامية في الفضاء العام، ووصم الممارسات الدينية بالعنف أو التخلف، والترويج لخطاب يعتبر المسلمين “غرباء عن القيم الإسبانية”، رغم أنهم جزء من النسيج الاجتماعي في مدن مثل مدريد، برشلونة، ألميرية وغرناطة.
في خطابه، لا يخفي حزب VOX نزوعه إلى إعادة تعريف إسبانيا على أساس قومي، مسيحي، أحادي الهوية. وهو خطاب يحمل بذور الفاشية الكلاسيكية، حتى وإن اتخذ شكلا ديمقراطيا في المظهر. ففي ظل أزمات الهوية والهجرة والأمن، يجد هذا الخطاب آذانا صاغية، خصوصا حين يقدم على أنه دفاع عن “القيم الغربية” ضد “أسلمة” أوروبا.
ما يزيد من خطورة هذا المنحى هو صمت بعض القوى الديمقراطية، وتواطؤ جهات إعلامية في تغذية الكليشيهات حول الجاليات الإسلامية. ومع استمرار هذا التجاهل، يصبح من السهل تمرير سياسات تمييزية باسم العلمانية أو حماية النظام العام.
لكن الديمقراطية لا تعني فقط صناديق الاقتراع، بل احترام الحقوق والحريات، وعلى رأسها حرية المعتقد والممارسة الدينية. والدستور الإسباني نفسه يضمن ذلك في المادة 16، التي تنص على حياد الدولة تجاه جميع الديانات، وحق الأفراد في ممارسة شعائرهم بحرية.
لذلك، فإن ما يحدث اليوم من تضييق على الطقوس الدينية الإسلامية، هو في جوهره امتحان حقيقي للديمقراطية الإسبانية: إما أن تنتصر لقيمها في وجه الغلو القومي، أو تسمح بعودة شبح الفاشية من بوابة العداء المنهجي للمظاهر الإسلامية.




