قضية سعد بوعقبة تعيد الجدل حول وضع الحريات في الجزائر

اعاد قرار ايداع الصحافي الجزائري المخضرم سعد بوعقبة الحبس المؤقت اشعال النقاش حول واقع الحريات في البلاد، بعدما تحولت قضيته الى مؤشر جديد يكشف مستوى التوتر المتصاعد بين السلطة والفضاء الاعلامي. فبوضع صحافي يبلغ ثمانين عاما خلف القضبان في انتظار محاكمته، بدا ان المشهد الاعلامي الجزائري يدخل مرحلة اكثر حساسية، وان العلاقة بين الدولة والصحافة تتجه نحو مزيد من الاحتقان.
محكمة في العاصمة امرت بسجن بوعقبة الى غاية الرابع من ديسمبر، على خلفية شكوى تقدمت بها ابنة الرئيس الراحل احمد بن بلة ووزارة المجاهدين، تتهمه بمساس رموز الدولة وبنشر معطيات غير صحيحة. المتابعة لم تقف عنده، بل طالت ايضا مدير منصة “رؤية” التي بثت تصريحاته، ما يوسع دائرة النقاش ويطرح سؤالا اعمق حول حدود المسؤولية والتحرير في ظل مناخ سياسي يعرف حساسية مفرطة اتجاه اي خطاب نقدي.
من الناحية السياسية، تظهر هذه القضية عودة خطاب “حماية الرموز” و”تجريم المساس بالمؤسسات”، وهي مفاهيم تستعمل غالبا لتطويق النقاش العام ولضبط الحدود المسموح بها في التعبير. وفي السياق الجزائري، حيث يشكل ملف الذاكرة ورموز الثورة جزءا حساسا من الشرعية السياسية، تتحول اي كلمة او تحليل الى مادة قابلة للتاويل القضائي، خصوصا عندما يصدر من صحافي ذي وزن وتاريخ في النقد مثل سعد بوعقبة.
اقتصاديا ومجتمعيا، تعكس هذه المتابعة مفارقة قائمة: في زمن تتسارع فيه منصات التواصل وتتنوع مصادر الخبر، يبدو ان التشدد تجاه الصحافيين التقليديين يتزايد، ما يطرح علامات استفهام حول جدوى محاكمة الاشخاص بدل فتح نقاش عمومي حقيقي. فمحاصرة الصحافة لا توقف انتشار المعلومات، بل تعمق فقدان الثقة وتخلق مسافة بين المواطن والمؤسسات.
قضية بوعقبة ليست حالة معزولة، بل حلقة في سلسلة من المتابعات والضغوط التي طالت صحافيين وفاعلين اعلاميين خلال السنوات الاخيرة. واذا كانت السلطة تبرر ذلك بضرورة حماية النظام العام ومنع الفوضى المعلوماتية، فان اصواتا داخل الجزائر وخارجها ترى في هذه الممارسات تراجعا عن وعود الاصلاح السياسي واثباتا على محدودية هامش الحرية رغم الخطاب الرسمي.
في النهاية، تكشف هذه الواقعة ان الصراع حول الكلمة في الجزائر ما يزال مفتوحا، وان مستقبل الحريات يعتمد على قدرة الدولة على التمييز بين النقد المشروع ومحاولات التشويش، وعلى ارادة حقيقية لارساء اعلام مستقل وفاعل. فاعتقال صحافي في عمر بوعقبة لا يمكن فصله عن سؤال اكبر: الى اين تتجه الجزائر في ما يتعلق بحرية الصحافة ومساحة التعبير؟ الجواب، كما يبدو، ما يزال غامضا في ظل تصاعد المتابعات وتضييق الهامش امام الاصوات الناقدة.




