
يشكل اعلان الادارة الامريكية عن اعتماد نظام “FIFA Pass” لتقديم مواعيد تاشيرة اسرع لحاملي تذاكر مباريات كأس العالم 2026 تحولا لافتا في طريقة تعامل واشنطن مع المناسبات الرياضية الكبرى. فالقرار لا يظهر فقط كاجراء تنظيمي لتسهيل تدفق الزوار، بل يندرج ضمن رؤية اوسع تستثمر في قوة كرة القدم وقدرتها على خلق حركة اقتصادية ودبلوماسية ضخمة.
الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، اختار تقديم المبادرة من قلب البيت الابيض وبحضور رئيس الفيفا جياني انفانتينو، في رسالة واضحة مفادها ان تنظيم كأس العالم في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لا يمثل مجرد حدث رياضي، بل مشروع دولة يراد له ان يكون واجهة قوة جديدة. واشنطن تراهن على ابراز قدراتها اللوجستية والامنية في حدث سيجلب ملايين المتابعين، ويمثل فرصة لعرض نموذجها في استضافة الفعاليات العالمية.
الابعاد الاقتصادية للقرار لا تقل اهمية، اذ تتوقع الادارة الامريكية ان يدر مونديال 2026 اكثر من 30 مليار دولار ويوفر مئات الاف من فرص العمل. ومادام الحضور الجماهيري يشكل رافعة رئيسية في هذا السياق، فان تسهيل اجراءات التاشيرة يتحول الى ضرورة اقتصادية قبل ان يكون خدمة للمشجعين. من هنا يفهم تكثيف الولايات المتحدة لعدد الموظفين القنصليين في عدة دول، بما يسمح بتقليص آجال الحصول على موعد المقابلة الى نحو ستين يوما في اغلب البلدان.
غير ان واشنطن حرصت في المقابل على التأكيد ان امتلاك تذكرة لا يعني الحصول على تاشيرة او دخول البلاد، ما يجعل “FIFA Pass” مجرد مسار سريع للموعد وليس ضمانة قانونية. وهذا يعكس رغبة الادارة في الحفاظ على صرامة النظام الامني والهجري رغم الانفتاح الظاهري الذي يفرضه الحدث العالمي.
على المستوى الرمزي، يتقاطع تنظيم كأس العالم مع احتفال الولايات المتحدة بمرور 250 عاما على استقلالها، وهو ما يمنح الحدث شحنة سياسية اضافية. الادارة الامريكية تسعى، من خلال المونديال، الى تقديم صورة دولة متماسكة، جذابة، وذات قدرات استثنائية في التنظيم والادارة. كما تراهن على استغلال الزخم الرياضي لتعزيز حضورها الدولي وتوسيع نفوذها الناعم.
من جهة اخرى، اكد انفانتينو ان الولايات المتحدة ستستضيف العالم على نطاق غير مسبوق، وان الخطوة الجديدة دليل على توجه نحو شمولية اكبر في استضافة المشجعين. ومع توقع طرح ستة ملايين تذكرة للبيع وتنظيم المباريات في ثلاث دول و16 مدينة، يبدو ان الفيفا تراهن على تجربة استثنائية في حجمها وفي رمزيتها.
في المحصلة، يمكن القول ان “FIFA Pass” ليس مجرد اجراء تقني مرتبط بتدبير مواعيد القنصليات، بل هو جزء من استراتيجية امريكية اوسع تستثمر في الرياضة كقوة ناعمة، وتستعد من خلالها لابراز قوة اقتصادية ورمزية في حدث عالمي ضخم. وبين الدبلوماسية والاقتصاد والامن، تتحرك واشنطن نحو مونديال تريد له ان يكون عنوانا لمرحلة جديدة في طريقة تقديم نفسها للعالم.




