المغرب

ثقافة الجشع بين تبرير الغلاء وتغييب الضمير

في السنوات الأخيرة، شهد المغاربة ارتفاعا متكررا في أسعار المواد الغذائية والمطاعم، حتى بات الأمر أشبه بعدوى اقتصادية لا علاج لها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الارتفاع الملحوظ في ثمن ربع الدجاج المشوي، الذي انتقل من خمسة وعشرين درهما إلى خمسة وثلاثين، رغم أن سعر الدجاج الحي عاد إلى الانخفاض.
والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا تنخفض الأسعار حين تنخفض التكاليف؟ ومن المسؤول عن هذه الثقافة التي تجعل من الجشع عادة مقبولة في مجتمع يعاني أصلا من الغلاء؟

الحقيقة أن ما يحدث لا يمكن اختزاله في تصرفات بعض أصحاب المطاعم أو التجار، بل هو انعكاس لثقافة اقتصادية واجتماعية معقدة تشكلت عبر عقود من غياب المراقبة وضعف الوعي الجماعي، حتى صار كثيرون يرون في “الربح السريع” نوعا من الذكاء لا من الفساد.

أولا، تتحمل الدولة والمؤسسات الرقابية جزءا كبيرا من المسؤولية، لأنها لم تضع بعد آليات صارمة وفعالة لضبط الأسعار وحماية المستهلك. فحين يشعر البائع أن لا أحد يحاسبه، يرفع الأسعار متى شاء، ويبقيها مرتفعة حتى بعد زوال أسباب الغلاء.

ثانيا، المستهلك نفسه يتحمل جزءا من المسؤولية، إذ اعتاد كثير من الناس الصمت بدل الاحتجاج، والقبول بدل المقاطعة. في مجتمعات الوعي الاستهلاكي، السوق تصحح نفسها بفضل قوة الزبون؛ أما حين يغيب هذا الوعي، يعلو صوت الجشع وتخفت قيم العدالة.

ثالثا، هناك خلل أخلاقي وتربوي لا يمكن تجاهله. فقد أصبح كثير من الناس يقيسون النجاح بكمية الربح لا بنزاهة الكسب، ويعتبرون من يرفض الاستغلال “ساذجا”، ومن يستغل “ذكيا”. وهكذا تختزل القيم في المال، ويغيب الضمير خلف شهوة الربح.

إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة أسعار، بل أزمة قيم، لأن السوق ليست سوى مرآة لما في المجتمع. فإذا ساد الغش والجشع في أبسط المعاملات، فذلك يعني أن الخلل أعمق من الاقتصاد، وأننا بحاجة إلى إصلاح ثقافي وتربوي قبل أي إجراء مالي أو قانوني.

ختاما، لا يمكن لمجتمع أن ينهض ما لم يربط بين الربح والمسؤولية، وبين الحرية والضمير. فالربح الذي يأتي على حساب الآخرين ليس نجاحا، بل علامة على تآكل الثقة وضياع العدالة. وحين يدرك التاجر والمستهلك معا أن العدل في المعاملة هو أساس الاستقرار، عندها فقط يمكن أن يعود ثمن “ربع الدجاج المشوي” إلى قيمته الحقيقية، لا في السوق فقط، بل في الضمير أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى