
في 13 اكتوبر 2025 اصدر جهاز المخابرات الداخلية البريطاني MI5 تحذيرا نادرا ومباشرا الى اعضاء البرلمان والموظفين السياسيين يحذرهم من محاولات استدراجهم او تجنيدهم من قبل اجهزة استخباراتية اجنبية خصوصا من الصين وروسيا وايران عبر الابتزاز التصيد الاحتيالي اقامة علاقات طويلة الامد او تقديم تبرعات مؤثرة التحذير كان علنيا وواضحا وهدفه رفع مستوى الوعي والردع السياسي داخل النظام الديمقراطي البريطاني
هذا الاسلوب البريطاني العلنية بصيغة تحذير رسمي له مزايا واضحة في بيئة مثل المملكة المتحدة قدرة استخباراتية قضائية وتقنية متقدمة مؤسسات مستقرة ذات قدرة متابعة قضائية وشبكة اعلامية تعمل كحاجز ردع نفسي ضد محاولات التأثير لكن على المستوى التكتيكي وفي حالات دول اقل قدرة من بريطانيا او تواجه تهديدات من نوع مختلف قد تكون السرية والتنسيق الاستخباراتي المكثف والتدخل الاستباقي نهجا افضل واكثر فعالية
التحذير العلني البريطاني يقوم على عدة ركائز تكتيكية رفع مستوى الحذر العام يخبر البرلمانيين والموظفين انهم اهداف محتملة ما يقلل فرص الاستدراج والوقوع في الفخ الضغط السياسي على الخصم الكشف العلني يضع خصوما دوليين امام امتحان الشفافية ويجعل من الصعب عليهم التحرك خفاء دون دفع تكلفة دبلوماسية تعزيز الثقة الداخلية رؤية جهاز الامن يتحرك علنيا يطمئن الناخب والساسة ان الدولة تضع الحماية في صدارة اولوياتها
لكن هذه المزايا تأتي مع تكلفة ومخاطر تفشي المعلومات العلنية قد تكشف ادوات واساليب المراقبة وتمنح الخصم فرصة لتغيير تكتيكاته مخاطر قضائية اثبات التحذير لا يساوي ادلة قابلة للمحاكمة كما ظهر في اسقاط محاكمة متهمين بالتجسس مؤخرا بسبب ضعف الادلة ما اضعف مصداقية بعض الاتهامات تصعيد دبلوماسي اعلان الاستهداف علنيا قد يسبب توترا دبلوماسيا مع دول كبرى يصعب احتواؤه وسيتطلب موارد قانونية وسياسية طويلة الامد
المغرب في ظل قدراته النسبية وموقعه الاقليمي وحساسيته الموضوعية حول وحدته الترابية يتبنى غالبا مقاربة اقل علنية واعتمادا على السرية والتنسيق الاستخباراتي المكثف والتدخل الاستباقي يعتمد على تنسيق استخباراتي داخلي وخارجي سريع مع شركاء اقليميين واوروبيين تدخل استباقي لاحباط شبكات تمويل تهريب او جمع معلومات قبل ان تتبلور تهديدات يمكن استغلالها اعلاميا او قضائيا التركيز على النتائج العملية تفكيك شبكات احالة ملفات للقضاء منع تسريبات بدل خوض معارك اعلامية طويلة
مثال عملي على فعالية الدبلوماسية الاستخباراتية المغربية بعيد عن العلنية هو الدور الذي لعبته الرباط في الوساطة الافراج عن اربعة مواطنين فرنسيين احتجزوا في بوركينا فاسو نجحت الوساطة المغربية بالتعاون الدبلوماسي في حل قضية حساسة دون ضجيج اعلامي كبير ما عزز مكانة جهاز الاستخبارات والدبلوماسية المغربية كقوة نافذة قادرة على العمل خلف الكواليس لحماية مصالح وطنية واقليمية
نهج المغرب تكتيكيا افضل في ظروف عديدة تناسب مع الموارد دول بحجم المغرب تفتقر الى الامكانات القضائية والتقنية الهائلة المتاحة لبريطانيا لذا تكون السرية والتنسيق مع شركاء خارجيين اكثر جدوى من التحذير العلني الذي يتطلب متابعة قضائية واعلامية كبيرة الحد من الاثر الاعلامي كشف عمليات استخباراتية او تهديدات مبكرة قد يعرقل التحقيقات ويمنح الخصوم فرصة الهروب او تغيير سلوكهم الفعالية العملية احباط شبكة او تفكيك تمويل بطرق سرية يؤدي الى نتائج ملموسة على الارض اعتقالات مقاضاة تقليص نفوذ الخصم دون خلق معركة اعلامية تستنزف الموارد الحفاظ على التوازن الدبلوماسي النهج السري يسمح باللعب الدبلوماسي المرن مع دول ذات ثقل دون الدخول في ازمات رسمية قد تؤثر على مصالح استراتيجية
التحذير العلني البريطاني اداة فعالة داخل منظومة قدراتها ويخدم اهداف حماية العملية الديمقراطية والردع النفسي لكن تكتيكيا وبالنظر الى الفوارق في القدرات والتهديدات فان نهج المغرب القائم على السرية التنسيق الاستخباراتي المكثف والتدخل الاستباقي يظل في كثير من الحالات نهجا افضل واكثر فعالية لحماية المصالح الحيوية خصوصا عندما تكون المسألة حساسة وتتطلب نتائج عملية سريعة دون ضجيج اعلامي يهدد سلامة التحقيقات او المصالح الوطنية




