
ظل العرش العلوي عبر قرون طويلة رمزا لوحدة المغرب واستمراريته، وسندا حصينا في مواجهة الاطماع والتحديات الداخلية والخارجية. فمنذ اعتلاء المولى الشريف سيدي محمد بن عبد الله الحكم سنة 1636، توالت البيعة الشرعية لملوك الدولة العلوية، الذين جعلوا من حماية الوطن والدين والهوية المغربية اولى اولوياتهم.
منذ ذلك الحين، اضطلع ملوك الدولة العلوية بادوار محورية في الحفاظ على وحدة التراب المغربي، والذود عن استقلاله، ودرء الاخطار المحدقة به. فقد واجه المولى إسماعيل مثلا الحملات الاجنبية على السواحل المغربية، وأعاد بسط سلطة الدولة المركزية على القبائل والجهات، ليبني بذلك اول لبنات الدولة المغربية الحديثة. وقد تميز حكمه ببناء جيش نظامي قوي، هو جيش عبيد البخاري، الذي مكن المغرب من صد الغزوات والحفاظ على توازنه الاستراتيجي.
خلال فترات الضعف التي عرفتها البلاد في القرن التاسع عشر، بقي العرش العلوي صمام الامان. ورغم تزايد الضغوط الاوروبية وتغلغل النفوذ الاجنبي، رفض السلاطين المغاربة التفريط في السيادة الوطنية. وقد شكل توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 نقطة تحول، اذ واجه السلطان مولاي عبد الحفيظ ضغوطا كبرى، ثم تلاه السلطان مولاي يوسف الذي واصل المقاومة الدبلوماسية رغم الظروف القاسية.
لكن المنعطف التاريخي الحقيقي كان مع السلطان محمد الخامس، الذي جسد القائد الوطني بامتياز. فبفضل تمسكه بالشرعية، والتفاف الشعب حوله، تحول رمزيا الى قائد المقاومة السياسية ضد الاستعمار الفرنسي، ورفض التخلي عن مطالب الاستقلال، ما جعله ينفى سنة 1953. غير ان صموده في المنفى، وموقف الشعب المغربي، ساهما في عودته التاريخية سنة 1955، واسترجاع الاستقلال سنة 1956، ليسجل بذلك العرش العلوي صفحة ناصعة في مسار التحرير الوطني.
بعد الاستقلال، واصل الملك الحسن الثاني تثبيت دعائم الدولة الحديثة، وبنى مؤسساتها السياسية والدستورية، وواجه محاولات الانفصال، خاصة في الصحراء المغربية. فكان مهندس المسيرة الخضراء سنة 1975، التي جسدت وحدة المغاربة خلف ملكهم، واعادت السيادة على الصحراء بطريقة سلمية وحضارية نادرة في التاريخ المعاصر.
اما الملك محمد السادس، فقد قاد خلال ربع قرن تحولا استراتيجيا عميقا، مزج بين الاصلاح الداخلي والتحديث، والدفاع الحازم عن الوحدة الترابية للمغرب. وقد تبنى سياسة دبلوماسية هجومية حول ملف الصحراء المغربية، قائمة على المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وحقق اختراقات تاريخية بدعم دول كبرى لمغربية الصحراء، الى جانب اطلاق مشاريع تنموية غير مسبوقة في الاقاليم الجنوبية.
وبذلك، فإن العرش العلوي لم يكن فقط رمزا دينيا او تقليديا، بل كان على الدوام مؤسسة حامية للمغرب، ومرجعا ضامنا لاستقراره، ودرعا في وجه كل من سولت له نفسه المساس بوحدته او استقلاله. وهو ما يفسر استمرار التلاحم بين الملك والشعب، باعتباره ركيزة من ركائز الشخصية الوطنية المغربية.