العدالة والتنمية يفتح ملف اختلالات اللوائح الانتخابية ويطرح إصلاحات شاملة

أعاد حزب العدالة والتنمية النقاش حول نزاهة العملية الانتخابية إلى الواجهة، بعد أن وجه مذكرة رسمية تضمنت ما وصفه بملاحظات كبيرة تمس اللوائح الانتخابية العامة. الحزب أشار إلى أن ثلث المواطنين المغاربة البالغين سن التصويت غير مسجلين في اللوائح، أي ما لا يقل عن سبعة ملايين شخص، وهو رقم ضخم يكشف، وفق قراءته، عن ثغرات بنيوية في النظام الانتخابي منذ استحقاقات 2021.
المذكرة توقفت عند استمرار تسجيل وفيات وتكرار أسماء بطرق غير مسبوقة رغم الإعلان عن عمليات التصحيح، إضافة إلى تسجيل مواطنين بطرق غير قانونية. كما انتقدت غياب الشفافية في اعتماد لوائح مغلقة ببعض مكاتب التصويت قبيل انتخابات 2021، دون حملة إعلامية واضحة لتعريف الناخبين بآجال التسجيل، وهو ما اعتبره الحزب مسا بمبدأ تكافؤ الفرص.
من جهة أخرى، دعا الحزب إلى اعتماد آلية جديدة تقوم على إدماج كل المواطنين في اللوائح الانتخابية تلقائيا عند بلوغهم سن الرشد القانوني، استنادا إلى المعطيات الرقمية المتوفرة في البطاقة الوطنية للتعريف. كما شدد على فتح آجال كافية لنقل التسجيل عند تغيير السكن، مع تبسيط المساطر وتحويلها إلى عملية إلكترونية بالكامل، بما يضمن سلاسة أكبر وولوجا أوسع للمواطنين.
المقترحات شملت أيضا ربط عملية الشطب بواقع الإقامة الفعلية، لتفادي تسجيل أفراد الأسرة الواحدة أو المقيمين في نفس العنوان بمكاتب متفرقة بعيدة عن محل إقامتهم الحقيقي. واعتبر الحزب أن الانسجام مع الدستور يفرض أن يكون التصويت واجبا شخصيا ووطنيا، ما يستلزم تحيين اللوائح بشكل شفاف ودوري.
وطالب العدالة والتنمية بتمكين الأحزاب السياسية من الحصول على نسخ كاملة للوائح النهائية خلال أجل لا يتعدى 24 ساعة من إغلاق التسجيل، على أن تكون قابلة للاستعمال ومرفقة بالمعطيات اللازمة لمعالجة أي اختلال. كما شدد على ضرورة فتح المجال أمام تقديم طلبات القيد والطعن إلكترونيا أمام اللجان الإدارية والقضائية، انسجاما مع مقتضيات القانون 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة.
إلى جانب ذلك، دعت المذكرة إلى تبسيط المنصات الرقمية المرتبطة باللوائح وخدمات الرسائل الفورية المخصصة لها، بما يتيح ولوجا سلسا ومباشرا للمواطنين دون عراقيل تقنية.
تحليل
التحرك الجديد يعكس محاولة حزب العدالة والتنمية استعادة حضوره في المشهد السياسي عبر خطاب إصلاحي يركز على مدخل الشفافية الانتخابية. فالحزب الذي تكبد خسارة ثقيلة في انتخابات 2021، يسعى اليوم إلى تقديم نفسه كمدافع عن نزاهة الاستحقاقات المقبلة، مستندا إلى أرقام ومعطيات يعتبرها دليلا على خلل عميق في النظام الحالي.
غير أن هذا الموقف يطرح تساؤلات حول خلفياته السياسية، إذ يرى متابعون أن الحزب يحاول استثمار موضوع اللوائح الانتخابية لتقوية موقعه التفاوضي في المرحلة المقبلة، وربما لاستعادة ثقة فئات من الناخبين فقدها خلال السنوات الأخيرة. كما أن مقترحاته التقنية، خصوصا المتعلقة بالاعتماد على البطاقة الوطنية والرقمنة، تلتقي مع توجهات الدولة نحو التحول الرقمي، لكن تفعيلها يتطلب توافقا مؤسساتيا أوسع وإرادة مشتركة لتجاوز منطق الحسابات الضيقة.
في المحصلة، تعكس مذكرة العدالة والتنمية أن ملف اللوائح الانتخابية سيظل عنوانا بارزا للنقاش السياسي في أفق الانتخابات المقبلة، بين من يعتبره مدخلا لإصلاح عميق يعزز ثقة المواطن، ومن يراه مجرد ورقة سياسية لإعادة التموضع بعد سنوات من التراجع.




