الطريق السريع تزنيت – الداخلة: من بنية تحتية إلى رهان سيادي وتنموي متكامل

لا يُختزل مشروع الطريق السريع الرابط بين تزنيت والداخلة في كونه مجرد ورش طرقي ضخم يمتد على مسافة تناهز 1055 كيلومترات، بل يمثل أحد أعمدة التحول الاستراتيجي الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة، ضمن رؤية شمولية تجعل من البنية التحتية رافعة للتنمية، وأداة لتعزيز الاندماج الترابي والانفتاح الاقتصادي على العمق الإفريقي.
يندرج هذا المشروع في صلب النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس سنة 2015، والذي قام على منطق الانتقال من تدبير المجال بمنظور أمني أو ظرفي، إلى مقاربة تنموية استباقية، تعتبر الاستثمار في الإنسان والمجال مدخلاً لترسيخ الاستقرار وتعزيز السيادة.
على المستوى الاقتصادي، أحدث الطريق السريع تحوّلاً نوعياً في دينامية النقل والتبادل التجاري، حيث قلّص زمن التنقل بين شمال المملكة وجنوبها، وخفّض كلفة اللوجستيك، وربط الأقاليم الصحراوية بالموانئ والأسواق الوطنية والدولية، ما انعكس بشكل مباشر على أنشطة الصيد البحري، والفلاحة، والسياحة، والتجارة العابرة للأقاليم.
أما من زاوية الجغرافيا الاقتصادية، فقد أعاد هذا المحور الطرقي إحياء الامتداد الأطلسي التاريخي للمغرب نحو إفريقيا جنوب الصحراء، وكرّس موقع المملكة كحلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا، ليس فقط بخطاب سياسي، بل ببنية تحتية مادية تدعم هذا التموقع وتمنحه مصداقية عملية.
سياديًا، يحمل المشروع دلالة عميقة تتجاوز الخرسانة والإسفلت، إذ يُجسد الانتقال من الدفاع عن الوحدة الترابية بالخطاب إلى تثبيتها بالفعل التنموي. فالدولة التي تستثمر في طرقها، وموانئها، ومجالاتها الحيوية، هي دولة تؤكد سيادتها عبر التنمية المستدامة والاندماج الترابي الفعلي.
ويكتسي إنجاز المشروع بكفاءات مغربية خالصة بعدًا إضافيًا، يعكس نضج التجربة الوطنية في تدبير الأوراش الكبرى، وقدرتها على تنفيذ مشاريع معقدة في مجالات جغرافية ومناخية صعبة، دون الارتهان للخبرة الأجنبية.
في المحصلة، يشكل الطريق السريع تزنيت – الداخلة أكثر من مجرد بنية تحتية للنقل؛ إنه استثمار في المستقبل، ورسالة سياسية وتنموية مفادها أن الصحراء المغربية ليست مجالاً معزولاً أو هامشيًا، بل قلب نابض لمشروع وطني متكامل، يربط الماضي التجاري للمغرب بأفقه الإفريقي القادم.




