الصحراء المغربية من التراب التاريخي إلى المشروع التنموي الشامل

تمثل الصحراء المغربية جزءا أصيلا من الهوية الوطنية وامتدادا طبيعيا للمجال الجغرافي للمملكة، فهي ليست مجرد رقعة جغرافية بل تراث حضاري وروحي ارتبط بمسيرة الدولة المغربية منذ قرون. عبر التاريخ ظلت القبائل الصحراوية جزءا من النسيج السياسي والاقتصادي والثقافي للمغرب، تقدم البيعة لملوكه وتشارك في الدفاع عن وحدته. هذا الارتباط العميق بين الأرض والإنسان شكل أساس الشرعية التاريخية والسياسية لمغربية الصحراء.
لكن المغرب لم يكتف بالاعتماد على الشرعية التاريخية في تدبير ملف الصحراء، بل جعل منها رافعة حقيقية للتنمية المندمجة. منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية، انطلقت أوراش كبرى في مجالات البنية التحتية والاقتصاد والخدمات الاجتماعية. تم تشييد طرق سريعة وموانئ كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، إلى جانب مطارات حديثة، مما جعل الصحراء فضاء مفتوحا للاستثمار والتبادل التجاري مع إفريقيا وأوروبا.
كما شمل التحول تنويع القاعدة الاقتصادية للجهات الجنوبية عبر الاستثمار في الطاقات المتجددة والصيد البحري والسياحة الإيكولوجية. مشاريع الطاقة الريحية والشمسية في العيون والداخلة حولت المنطقة إلى قطب صاعد في إنتاج الطاقة النظيفة، في انسجام مع توجهات المغرب لمواجهة التغير المناخي وتعزيز السيادة الطاقية.
وعلى المستوى الاجتماعي، رافق هذا التوجه إطلاق برامج لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الشباب والنساء على ولوج سوق العمل عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومخططات جهوية للتكوين والتأهيل. هذه الدينامية أسهمت في تحسين مؤشرات التنمية البشرية وتقليص نسب البطالة، فضلا عن تعزيز الإحساس بالانتماء الوطني.
سياسيا، شكل مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 تحولا استراتيجيا، إذ وفر إطارا واقعيا وذا مصداقية لحل النزاع المفتعل، يقوم على منح ساكنة الصحراء صلاحيات واسعة في تدبير شؤونها المحلية في إطار سيادة المملكة. هذا المشروع وجد دعما متزايدا من قوى دولية كبرى، ما رسخ مكانة المغرب كفاعل جاد ومسؤول في محيطه الإقليمي.
الانتقال من مجرد التمسك بالتراب التاريخي إلى بناء مشروع تنموي شامل يعكس رؤية المغرب لمستقبل الصحراء. إنها لم تعد فقط عنوانا لمعركة سيادية، بل تحولت إلى ورش مفتوح يؤسس لنموذج تنموي جديد قائم على العدالة المجالية والتكامل الاقتصادي. بهذا المعنى، تصبح الصحراء المغربية مختبرا لتجسيد المغرب الحديث الذي يربط بين حماية الوحدة الترابية وتحقيق التنمية المستدامة.