
في مشهد صادم حمل من الدلالات أكثر مما حمل من الشعارات، خرجت حشود غاضبة في إحدى المدن الأوروبية رافعة لافتات كتب عليها بوضوح: “TOURIST GO HOME”، في احتجاج يكشف وجهاً آخر لأزمة السياحة الجماعية في القارة العجوز. ورغم أن الصورة التُقطت في تظاهرة تندد بتداعيات “الاستعمار السياحي”، فإن رسائل الكراهية التي طغت على بعض الشعارات أطلقت جدلاً واسعاً حول تنامي الخطاب الإقصائي والعنصري في أوروبا.
ففي ظل الأرقام القياسية التي سجلتها أوروبا خلال سنة 2024، والتي تجاوزت 747 مليون سائح دولي، ارتفعت حدة التوتر بين السكان المحليين وزوار المدن السياحية الكبرى، على خلفية الضغط المتزايد على البنية التحتية، وارتفاع تكاليف المعيشة، و”تفريغ” الأحياء من سكانها الأصليين لصالح الإيجارات القصيرة الأمد. وهي إشكالات حقيقية تستحق نقاشاً عقلانياً وسياسات متوازنة، لكن تحويل السائح إلى “عدو خارجي” لا يليق بأوروبا التي طالما تغنت بقيم الانفتاح والتعايش.
اللافت في هذه الاحتجاجات أن الخطاب لم يميز بين الظاهرة والإنسان، ولم يفصل بين مسؤولية السياسات العمومية ومواطني العالم الذين يمارسون حقهم في السفر. فحين ترفع لافتات تطالب السائح بالرحيل، دون تحديد أو سياق، فإننا أمام انزلاق خطير نحو شيطنة “الآخر”، وهو ما يعيد إلى الأذهان حملات عنصرية عرفتها أوروبا في مراحل مختلفة من تاريخها.
ليس من الإنصاف أن يتحول السائح – القادم بفضول ثقافي أو بحث عن تجربة إنسانية – إلى ضحية لسوء تدبير محلي أو فشل في إدارة التوازن بين التنمية والمحافظة على الهوية. وليس من الأخلاق ولا من العقل أن يتم استعداء الإنسان لمجرد أنه “أجنبي”.
الحاجة اليوم ليست إلى لافتات تطرد السياح، بل إلى سياسات سياحية مستدامة تراعي مصلحة السكان وتحترم الزائر في آن. أما الانزلاق نحو كراهية الآخر باسم “الحفاظ على الخصوصية”، فهو أمر لا يخدم لا المدن ولا صورتها ولا مستقبلها.