المغرب

السلوك المدني في المغرب بين هوية متدينة وسلوك منفلت: قراءة في تقرير المركز المغربي للمواطنة

في زمن تتسارع فيه التحولات العمرانية والاجتماعية وتتعاظم التحديات الحضارية، يضعنا التقرير الأخير الصادر عن المركز المغربي للمواطنة (ماي 2025) أمام مرآة صادمة لواقع السلوك المدني في المغرب، مرآة تعكس فجوة عميقة بين ما يُفترض أنه مجتمع محافظ ومتدين، وما هو قائم فعليا من ممارسات فوضوية وتفكك في القيم العامة.التقرير، المبني على استطلاع إلكتروني شمل 1173 مواطنا، أغلبهم من الطبقة المتوسطة والمتعلمة، يقدم معطيات دقيقة ومقلقة عن السلوك المدني لدى المغاربة، في الفضاء العام، وفي علاقتهم بالبيئة، بالقانون، وبالقيم المشتركة.صورة متدهورة للفضاء العامالأرقام تتكلم بوضوح: 74 في المئة من المغاربة يلقون النفايات في الشوارع، 93 في المئة يحتلون الملك العام، و92 في المئة يتسامحون مع التسول. أما مظاهر الاحترام المتبادل، كاللباقة واحترام الجار والنساء، فلا تتجاوز في أحسن الحالات عتبة الخمسين في المئة.حتى السلوك الإيجابي تجاه كبار السن وذوي الإعاقة، ورغم ما يُفترض من تجذره في الثقافة الدينية، لم يتجاوز نسبة 43 في المئة، ما يعكس تراجعا واضحا في القيم المجتمعية التي كانت تُعتبر من الثوابت.الفجوة بين الدين والسلوكرغم أن المغاربة يوصفون عموما بأنهم “يغيرون على دينهم”، فإن التقرير يُفنّد هذا التصور. فلو كانت الغيرة على الإسلام فعلا مؤثرة في السلوك، لكانت المرافق العامة أنظف، والشوارع أكثر انضباطا، والناس أكثر التزاما بالأمانة واحترام الآخر.لكن ما نشهده، بحسب التقرير، هو “تدين شكلي” غير قادر على إنتاج سلوك مدني. الدين يُذكر كعامل مؤثر (44 في المئة)، لكن أثره ضعيف في ضبط الممارسات اليومية. وهنا يطرح التقرير إشكالية “الخطاب الديني غير الفعال”، الذي لم يُترجم إلى ثقافة مدنية.أسباب الانهياريرجع التقرير هذا التدهور إلى عوامل متعددة، أبرزها:ضعف الأسرة: رغم كونها المؤثر الأول، إلا أنها لم تعد قادرة على غرس السلوك المدني.خلل المدرسة: النظام التعليمي لا ينجح في تحويل الدروس النظرية إلى ممارسات مجتمعية.غياب الصرامة القانونية: 67 في المئة من المستجوبين يعتبرون أن الحكومة لا تفعل ما يكفي لفرض القانون.ضعف القدوة: انعدام النماذج الإيجابية، سواء في الإعلام أو في الحياة العامة، يعمق أزمة الثقة.كأس العالم 2030 كفرصة ضائعة؟المغاربة لا يعولون كثيرا على كأس العالم لتغيير السلوك العام. فقط 23 في المئة يرونه فرصة إيجابية، في حين يعتبر 37 في المئة أن تأثيره سيكون محدودا. ويبدو أن القلق الأكبر مرتبط بصورة المغرب أمام العالم: الغش، التلوث، التسول، غياب النظافة، كلها مظاهر قد تضر بصورة بلد يطمح لاحتضان تظاهرة عالمية.من الخطاب إلى الفعلتوصيات التقرير واضحة: يجب الانتقال من الوعظ إلى الفعل. لا يكفي الحديث عن الأخلاق والدين، بل يجب تفعيل القانون، وتطوير التعليم، وتحسين المرفق العام، وربط السلوك المدني بالانتماء الوطني، لا فقط بالشعائر.في الخلاصة، المغاربة قد يغيرون على الإسلام كهُوية وشعار، لكن التحدي الحقيقي هو تحويل هذه الغيرة إلى سلوك يومي ملموس يحترم البيئة، القانون، الآخر، والمرفق العام. بدون ذلك، سنظل نعيش انفصاما بين ما نقوله وما نفعله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى