بقلم الدكتور ادريس المانع
مقدمة الحياة المدرسية
تمثل الأنشطة التربوية ركيزة أساسية ومدخلا أصيلا لتحقيق الأهداف التربوية، فهي السبيل لاكتشاف المواهب والطاقات التي تزخر بها بلادنا، وتعمل على تقويم شخصية المتعلم وصقل مواهبه وتنميتها، وإحساسه بالانتماء والولاء للوطن وتشبعه بالمواطنة الصالحة، كما تحقق الكفايات اللازمة لتحقيق جودة الأداء المدرسي، وتسهم في الرفع من التحصيل وجودة التعلمات.
تشكل هذه الأنشطة أساسا متقدما للوقوف على المعوقات التي تواجه التلاميذ في التحصيل الدراسي، وتخرجهم من تقوقعهم وانطوائهم على أنفسهم إلى الاندماج الفعلي في المحيط التربوي، فالمتعلم هو المحور الأساس في كل عملية تربوية.
إن المدرسة اليوم هي قلب المجتمع النابض الذي يوفر المناخ الملائم لتكوين ناشئة متوازنة في كل أبعاد شخصيتها، فلم تعد تلك المدرسة التي تشحن التلميذ بالمقررات الدراسية، بل هي فضاء لتنمية المهارات والقدرات الكامنة عند المتعلم وتؤهله للاندماج داخل محيطه المدرسي والاجتماعي…
لقد تنبه الفاعل التربوي المغربي [1]إلى هذه الأهمية، وعمل على تحقيق التغيير النوعي داخل المؤسسات التعليمية من خلال تنشيط الحياة المدرسية وتنمية أدوارها، انطلاقا من دمج المتعلم عن طريق الأنشطة التربوية والثقافية والدينية والرياضية، خاصة أنه يقضي فيها وقتا مهما، الأمر الذي يحتاج معه إلى تفاعل كل مكونات العملية التعلمية من إدارة تربوية ومدرسين وجمعيات أمهات وأباء أولياء التلاميذ وشركاء المؤسسة من أجل تفعيلها وتنشيطها بغاية الوصول إلى مدرسة متطورة مفعمة بالحياة، قادرة على تكوين مواطن مندمج مع كل الوضعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
يعتبر دليل الحياة المدرسية وثيقة أساسية لمواكبة الدينامية التي يعرفها مجال الحياة المدرسية ولتأطير عمل الأندية التربوية والرفع من أدائها[2].
تشكل الأندية التربوية في الوقت الراهن التنزيل الملائم والدعامة الأساسية لتفعيل أدوار الحياة المدرسية، وأهم محفز على الانخراط الفعلي والتلقائي للمتعلم في تحقيق التنشيط والتفعيل المتقدم لها.
فالأندية التربوية تستهدف تفعيل الحياة المدرسية بالمؤسسات التعليمية والرقي بأفعالها، فهي تروم تحقيق تربية سليمة للمتعلم من خلال التعلم الذاتي موازاة مع المساهمة في العمل الجماعي.
إن اهتمام المدرسة المغربية بالأندية التربوية بجميع أنواعها واهتماماتها كالبيئية والصحية والثقافية والرياضية… نجد لها أصولا بالشريعة الإسلامية، حيث اهتم القرآن الكريم واعتنت السنة النبوية بها وكذا بالتلميذ باعتباره موردا بشريا مهما ودعامة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة بالمجتمع.
أولا: مفهوم الحياة المدرسية
يمكن تعريف الحياة المدرسية بأنها الحياة التي يعيشها المتعلمون في جميع الأوقات والأماكن المدرسية (أوقات الدراسة والاستراحة والإطعام…، الفصول والساحة والملاعب الرياضية، ومواقع الزيارات والخرجات التربوية…)، قصد تربيتهم باعتماد جميع الأنشطة الدينية والتربوية والتكوينية المبرمجة، ولاسيما التي تراعي الجوانب المعرفية والوجدانية والحس حركية من شخصياتهم، مع ضمان المشاركة الفعلية والفعالة لكافة مكونات المجتمع المدني ( متعلمون، مدرسون، إدارة تربوية، أطر التوجيه التربوي، أباء وأمهات، شركاء المؤسسة…)[3].
عرفها نور ادين حمر العين وزمام بأنها: “ذلك المناخ الوظيفي الذي يحتوي كافة مكونات العمل المدرسي، وتشكل هذه الحياة من عناصر الزمان والمكان، والتنظيم، والعلاقات الثقافية والتنشيطية التي تستند إليها العملية التعلمية، والتحكم في هذه العناصر يوفر جوا سليما وإيجابيا، مما يساعد على التعلم، واكتساب القيم والسلوكيات البناءة”[4]
واعتبرها دليل الحياة المدرسية، بأنها: “مؤسسة اجتماعية وتربوية، تقوم بتربية النشء وإكسابهم مهارات وكفايات متعددة ومتنوعة وتنمية وصقل مواهبهم ملكاتهم، لتسهيل اندماجهم في مجتمعهم وتكيفهم معه، ومن ثم فهي مدعوة قبل غيرها لأن تكون منفتحة باستمرار على محيطها باعتماد نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في صلب اهتماماتها، الأمر الذي يستدعي دعم تفاعلها مع المجالات المجتمعية والثقافية والاقتصادية لتكون بحق مرآة متجددة لمعالم مجتمع الغد[5].
فالحياة المدرسية هي ذلك الوسط التربوي والاجتماعي الذي يهدف إلى تنمية متوازنة لشخصية المتعلم، والعمل على بلورتها في مهارات حياتية، فهي حياة المتعلم منذ ولوجه باب المؤسسة التربوية إلى حين خروجه منها، سواء داخل الفصول الصفية أو أثناء الاستراحة أو بالملاعب الرياضية، بل حتى الأنشطة التي تتم خارج المؤسسات بتأطير من المتدخلين والشركاء كالرحلات والزيارات الترفيهية أو التعلمية والثقافية والرياضية والتي تروم تنمية قيم المواطنة ومراعاة الحقوق وتحقيق الاندماج الفعلي للمتعلم.
فالحياة المدرسية بهذا الاعتبار جزء من الحياة الاجتماعية التي يعيشها المتعلم وترتبط ارتباطا وثيقا بالفضاء المدرسي.
ثانيا: أهمية الحياة المدرسية في الرفع من التحصيل الدراسي
لقد واجهت المنظومة التربوية أزمة عميقة تمثلت في ظاهرة ضعف النتائج الدراسية[6]وهو الأمر الذي تنبهت له الوزارة الوصية، وحاولت العمل على التقليص منها، وجعلتها أولوية وبحثت عن الحلول التي تمكن من تجاوزها، فواكبت تطوير وتفعيل الحياة المدرسية بالفضاءات التربوية عن طريق تشجيع النوادي التربوية[7] وتوفير الموارد المالية اللازمة لذلك من خلال إدماجها ضمن مشروع المؤسسة، فالمدرسة تسعى إلى تكوين جيل متشبع بقيمه مزود معرفيا ومنفتح على العالم، ومتفوق دراسيا… ولأجل ذلك عمدت الوزارة على إدماج الحياة المدرسية ضمن المنظومة التربوية واعتبرتها أولوية وقضية مهمة من القضايا التربوية، وشجعت مثلا المؤسسات التربوية على توفير مكتبات للمطالعة بكل مؤسسة، والعمل على تأسيس نوادي للمطالعة والقراءة، وهو ما يؤثر إيجابا على نتائج التلاميذ من خلال الخدمات الكبيرة التي تقدمها للمتعلم.
وتفعيلا لمبدأ راحة المتعلم، هدفت الوزارة الوصية إلى القضاء على البناء المفكك داخل المؤسسات التربوية، وعوضتها بقاعات توفر التهوية اللازمة تشجع على التحصيل، وهو الأمر الذي يؤثر إيجابا على مستوى النتائج.
كما عملت على توفير فضاءات ومرافق اللعب واهتمت بالملاعب، ودعمت ماديا الجمعيات الرياضية، وهي فضاءات تؤثر إيجابا على نفسية المتعلم والتقليل من بعض الضغوط النفسية المدرسية، وهو ما يسمح له بالإقبال على التحصيل بشكل أفضل.
ومما لا شك فيه أن هذه المجهودات التي تبذلها الوزارة الوصية تكون غير ذات جدوى في غياب العلاقة التفاعلية داخل الحياة المدرسية، والذي يجب أن يكون بين الإدارة التربوية وهيئة التدريس، وكل الفاعلين والشركاء وفي صلبها التلميذ باعتباره محور العملية التعلمية، وهذه الجوانب يجب التركيز عليها لتحقيق الهدف الذي تنشده الوزارة من وراء العمل على تفعيل أدوار الحياة المدرسية داخل المنظومة التربوية.
إن التفاعل الإيجابي بين مكونات العملية التربوية سيؤدي لا محالة إلى تحقيق نتائج إيجابية.
فالتفاعل بين المعلم والتلاميذ، وبين التلاميذ بعضهم البعض داخل الفصل الدراسي أثناء قيام المعلم بالتدريس، ينمي لديهم القدرة على النقد والتحليل وإبداء الرأي فيما يقومون به[8].
فالعلاقة الناجحة بين كل المتدخلين في العملية التربوية تؤدي حتما إلى الرقي بالحياة المدرسية، كما توفر مناخا إيجابيا للتحصيل الدراسي.
إن الأنشطة التربوية سواء الصفية أو الموازية تسهم في تطوير التحصيل التربوي والحصول على نتائج دراسية إيجابية، وتعمل على صقل مواهب المتعلم، وتكريس السلوك الإيجابي له داخل المؤسسة وخارجها، وتشجع الابتكار ( النوادي التكنولوجية)، واكتشاف المواهب (النوادي الرياضية)، وتعمل على التشبع بكثير من القيم كالتشاور والتفاوض (النوادي البيئية والدينية) وكل ذلك يفسح المجال لتحقيق قيم المواطنة بصورة متوازنة.
[1]– دليل الحياة المدرسية، المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، مديرية الحياة المدرسية دجنبر 2019 – الميثاق الوطني للتربية والتكوين – المخطط الاستعجالي 2009/2012 – الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030، القانون الإطار 51.17.
[2] – دليل الحياة المدرسية، ص: 4
[3] – دليل الحياة المدرسية، ص: 17
[4] – مجلة السراج في التربية وقضايا المجتمع، نور الدين حمر العين – نور الدين زمام، مجلد 6 عدد 3، 2022م، ص: 50.
[5] – الدليل المرجعي للحياة المدرسية غشت 2007، ص: 4.
[6] – تتمثل في كمية وكيفية المعرفة التي يتحصل عليها الفرد خلال برنامج دراسي معين قصد تكييفه مع الوسط والعمل المدرسي، ويقتصر هذا المفهوم على ما يحصل عليه الفرد والمتعلم من معلومات وفق برنامج معد يهدف إلى جعل المتعلم أكثر استيعابا وتكيفا مع الوسط المدرسي خاصة والوسط الاجتماعي عامة. ( مجلة السراج في التربية، مرجع سابق ص: 51.
[7] – دليل الأندية التربوية، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، مديرية المناهج والحياة المدرسية، غشت 2009.
[8] – المعجم التربوي، فريدة شنان، مصطفى هجرسي، المركز الوطني للوثائق التربوية، الجزائر، 2008، ص: 78.