المغرب

الحياة السياسية بالمغرب تدخل مرحلة “تسخينات انتخابية مبكرة” وسط تصاعد العزوف الشعبي

دخلت الأحزاب السياسية المغربية، منذ أسابيع، في ما يشبه حملة انتخابية استباقية، تجلت في الخطابات الهجومية لقياداتها، وتكثيف خرجاتها الإعلامية، والتركيز على استعراض «المنجزات» وترويج وعود تتجاوز أفق 2026. هذا الزخم السياسي، الذي وصفه مراقبون بـ”التسخينات الانتخابية المبكرة”، أفرز توترات داخل الأغلبية، وتراشقًا غير مباشر بين مكوناتها، كما حرك المعارضة التي لم تتأخر في الدخول إلى الحلبة بطموحات واضحة لقلب موازين القوى في الاستحقاقات المقبلة.

لكن وسط هذه الحركية الحزبية، تعالت أصوات من داخل المجتمع المدني وبعض المحللين لتحذير الحكومة من مغبة الانخراط في حسابات انتخابية مبكرة، في وقت يواجه فيه المغرب تحديات اجتماعية واقتصادية ملحة، أبرزها الفقر، البطالة، وتفاقم التضخم. هؤلاء دعوا إلى التركيز على الأولويات الوطنية بدل الانجرار وراء منطق التموقعات السياسية.

وفيما الأحزاب تستعد مبكرًا لصناديق الاقتراع، جاءت نتائج استطلاع رأي جديد أجرته مؤسسة “أفروباروميتر لتكشف واقعًا مقلقًا: نسبة كبيرة من المواطنين لا ينوون التصويت في الانتخابات المقبلة، أو يرفضون العملية برمتها، في مؤشر صارخ على تعمق فجوة الثقة بين الشارع والطبقة السياسية.

وفقًا للأرقام، 34,1% من المستجوبين صرحوا أنهم لن يشاركوا في التصويت، بينما عبر 11,4% عن رفض صريح للعملية الانتخابية، في حين ما يزال 33,8% مترددين ولم يحسموا موقفهم.

أما من أبدوا نية المشاركة (حوالي 20% فقط)، فتوزعت نوايا تصويتهم بشكل مشتت بين الأحزاب، مع تقدم طفيف لحزب الاستقلال (4%)، يليه حزب الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية (3,8% لكل منهما)، ثم التجمع الوطني للأحرار (3,2%)، فحزب التقدم والاشتراكية (1,6%)، والاتحاد الاشتراكي (1,4%).

تعكس هذه الأرقام أزمة ثقة عميقة في الأحزاب والمؤسسات المنتخبة، وتكشف عن خطر حقيقي يتمثل في إمكانية تسجيل مشاركة انتخابية أضعف من تلك المسجلة سنة 2021، حين لم يتجاوز الإقبال على التصويت 50%.

ولم يقتصر القلق على نسب العزوف فقط، بل شمل أيضًا تصورات المواطنين حول نزاهة العملية الانتخابية. فحسب الاستطلاع، يعتقد نصف المشاركين تقريبًا أن الانتخابات الأخيرة شابتها خروقات، فيما يرى 17% أنها لم تكن حرة ولا نزيهة، بينما لم يتجاوز من وصفوها بالديمقراطية المرضية نسبة 19%.

ومع ذلك، ورغم هذا المشهد المتشائم، لا يزال هناك تشبث شعبي نسبي بالمسار الديمقراطي، حيث أكد 74% من المستجوبين أن اختيار الحاكمين يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع، كما عبّر 57% عن قناعتهم بأن التعددية السياسية تبقى ضرورية لتأمين بدائل حقيقية أمام المواطنين.

هكذا، يتأكد أن المغرب يواجه معضلة مركبة: مشهد حزبي منغمس في تحركات انتخابية مبكرة، يقابله شارع يزداد بُعدًا عن الفعل السياسي، ومتشبع بإحساس متنامٍ بعدم الجدوى. وهي معادلة تُنذر بمزيد من التصدع في العلاقة بين المؤسسات والمجتمع، ما لم تتم إعادة بناء الثقة على أساس برامج حقيقية وإصلاحات ملموسة تُعيد للعملية الديمقراطية معناها وجدواها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى