الجزائر بين سندان السلطة ومطرقة التغيير: الحريات السياسية والنقابية في دائرة الحصار

في بلدٍ يُفترض أن يكون من أغنى الدول الإفريقية بفضل احتياطاته الهائلة من الغاز والنفط، يعيش المواطن الجزائري مفارقة قاتلة: ثروة وطنية هائلة، مقابل قمع للحريات، وانسداد أفق سياسي، وتفاقم للرغبة في الهجرة لدى جيل كامل من الشباب الباحث عن الكرامة والعدالة الاجتماعية.
ورغم الشعارات الرسمية التي تتغنى بـ”الجزائر الجديدة”، فإن واقع الحريات السياسية والنقابية يُبرز صورة قاتمة. فالأحزاب المعارضة تُجمد أو تُحاصر تنظيمياً، والنقابات المستقلة تُقمع، والنشطاء يُلاحقون بتهم “المساس بأمن الدولة”، أو يُسجنون بقوانين مطاطة كقانون مكافحة الإرهاب. وقد تحولت أبسط أشكال التعبير، كالإضراب أو الوقفة الاحتجاجية، إلى ملفات قضائية تطارد أصحابها.
من بين الأسماء البارزة التي تدفع ثمن هذا التوجه:
رابح كراش، صحفي أدين بسبب تغطيته لمظاهرات الطوارق.
بوعلام سنسال، كاتب أدين بخمس سنوات سجنًا بتهم مسيسة.
محمد تاجديت، شاعر الحراك الذي لا يزال يُعتقل بشكل متكرر.
نقابيون تم تسريحهم لمجرد مطالبتهم بحقوق مهنية مشروعة.
لكن الأخطر من كل هذا، أن النظام الجزائري لا يكتفي بقمع الداخل، بل يُصدر أزماته إلى الخارج، من خلال تمويله المستمر لجبهة البوليساريو، وهي جماعة انفصالية لا تعني للمواطن الجزائري شيئًا في حياته اليومية، لكنها تحولت إلى أداة لصرف أنظار الشعب عن مطالبه الحقيقية في العدالة والديمقراطية.
بملايين الدولارات التي تُضخ في مخيمات تندوف، وبأجهزة عسكرية ودبلوماسية مسخرة للدفاع عن أطروحة انفصالية، يُحرم الشعب الجزائري من حقه في التنمية، والتعليم الجيد، والخدمات الصحية، وفرص التشغيل. وهكذا، تتحول قضية خارجية وهمية إلى شماعة تُبرر بها السلطة قمعها، وتُوظفها لتخوين كل من يطالب بالتغيير أو المساءلة.
وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وغلاء الأسعار، وانسداد الأفق، لا يبقى للشباب سوى طريق “الحرڨة” نحو المجهول، أو الاستسلام لواقع استبدادي يُقايضهم يوميًا بين الأمن والحرية.
إن الجزائر اليوم ليست بحاجة إلى شعارات وطنية تُوظف لتبرير القمع، بل بحاجة إلى مشروع وطني جامع، يُعيد الاعتبار لكرامة الإنسان، ويقطع مع منطق تصدير الأزمات وقمع الداخل وتغذية الفزاعة الخارجية.
فإما دولة الحقوق والعدالة والديمقراطية، أو بقاء في دائرة مغلقة عنوانها: الخوف… والتهميش… والفراغ السياسي.