التعليم الأولي بالمغرب: تعميم سريع… وهشاشة صامتة في أوضاع المربيات وجودة التعلمات

سلّط تقرير حديث للهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين، التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الضوء على اختلالات عميقة تطبع قطاع التعليم الأولي بالمغرب، رغم التقدم الملحوظ في تعميم الولوج إليه خلال السنوات الأخيرة. التقرير، الذي جرى تقديم خلاصاته بالرباط، كشف أن هذا الورش الاستراتيجي ما يزال يُدار على إيقاع مفارقة واضحة: توسع كمي يقابله ضعف بنيوي في الموارد البشرية وجودة العرض التربوي.
ومن أبرز ما توقف عنده التقرير، الوضعية المهنية الهشة للمربيات والمربين، حيث أظهرت المعطيات أن أغلب العاملين في التعليم الأولي ينتمون إلى فئة شابة ونسوية، مع محدودية في التجربة المهنية. فقرابة نصف الأطفال (49 في المائة) يؤطرهم مربون لا تتجاوز خبرتهم خمس سنوات، بينما ترتفع هذه النسبة بشكل مقلق في الوسط القروي لتصل إلى 70 في المائة، ما يطرح تساؤلات جدية حول الاستقرار المهني وتراكم الخبرة التربوية.
أما على مستوى الأجور، فقد كشف التقرير عن تفاوتات حادة تعكس هشاشة الإطار الاجتماعي للعاملين في هذا القطاع. إذ يتقاضى مربو 25 في المائة من الأطفال أقل من 2000 درهم شهريًا، في مقابل 42 في المائة يتجاوز دخل مؤطريهم 3000 درهم. وتزداد الوضعية تعقيدًا في التعليم غير المهيكل، حيث سُجل تأخر في صرف الأجور بنسبة 23 في المائة، وهو ما ينعكس مباشرة على نفسية المربين وجودة أدائهم داخل الأقسام.
وعلى الرغم من التقدم المسجل في نسب الولوج، يؤكد التقرير أن تعميم التعليم الأولي لم يُفلح بعد في تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية. فلا تزال جودة التعلمات متفاوتة بشكل واضح بين المجالين الحضري والقروي، كما تسجل فوارق كبيرة بين وحدات التعليم الأولي من حيث شروط السلامة، توفر المرافق الصحية، وجودة الفضاءات والوسائل التربوية.
التقرير وقف أيضًا عند ضعف الممارسات التربوية التفاعلية داخل الأقسام، خاصة تلك المرتبطة بتنمية القراءة المبكرة والأنشطة اللغوية، التي تشكل أساس التعلم في المراحل اللاحقة. كما أبرز هشاشة إدماج الأطفال في وضعية إعاقة، في ظل تفاوت كبير في قدرات الاستقبال والدعم بين الوحدات، وغياب رؤية موحدة للتكفل بهذه الفئة.
وفي السياق نفسه، أشار التقرير إلى اختلاف شروط العمل والتأطير المهني للمربيات والمربين، خصوصًا بين التعليم العمومي وغير المهيكل، وهو تفاوت يؤثر سلبًا على الاستقرار الوظيفي ويعمق الفجوة في جودة الممارسة التربوية.
وختمت الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين تقريرها بالتأكيد على أن رهان التعليم الأولي لا ينبغي أن يختزل في التعميم العددي، بل يستوجب ترسيخ منطق الجودة والإنصاف. ودعت إلى تحسين بيئات التعلم، وتطوير الممارسات البيداغوجية، وتعزيز العدالة المجالية عبر مراعاة الخصوصيات الترابية في تخطيط العرض التربوي، خاصة ما يتعلق بالقرب الجغرافي وتشتت السكن وضعف الكثافة السكانية.
كما شددت على ضرورة توضيح منظومة الحكامة، من خلال تنسيق تدخلات مختلف الفاعلين، وتحديد المسؤوليات بدقة، وتحسين آليات تتبع التمويل، بما يضمن أن يتحول التعليم الأولي من مجرد ورش اجتماعي واسع إلى قاعدة صلبة لتكافؤ الفرص وجودة التعليم بالمغرب.



