المغرب

التحولات السياسية بين المبادئ والمصالح

لا يمكن الاستهانة بحرية الرأي ولا تغطيتها تحت غطاء التضامن المزيف. فالسلوك السياسي في المغرب اليوم لم يعد يقاس بمقاييس النزاهة أو الإخلاص للقضية، بل أصبح معيار النجاح فيه هو القدرة على التحول والانقلاب على الذات دون أن يشعر بها أحد.

نحن أمام حالة مثيرة للدهشة تعكس التناقض الذي أصبح سمة بارزة لبعض الشخصيات التي تريد خوض غمار السياسية و تحظى بتقدير من طرف الأحزاب، لكنها لا تحوز أي احترام لدى المواطنين.

ما حدث مع الممثل عيسى الجراري وقبله الممثلة فاطمة خير… ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل انعكاس لواقع أكبر. فقد تحول بعض الأفراد إلى أدوات سياسية تستخدم وفق المصلحة، يغيرون مواقفهم كما تقلب قطعة قماش حسب اتجاه الريح. ففي زمن العدالة والتنمية، كان الجراري يمدح ويقدم بنكيران كصوت للإصلاح،ويبدل عمل جبارا من احل الوطن، بينما بعد التحاقه بحزب آخنوش تحول إلى مهاجم شرس ينتقد الحكومة السابقة،محملا ايها مسؤولية تهميش الممثلين والممثلاث، ويقدم نفسه على أنه حامل لراية الشفافية واسترجاع الثقة. والسؤال الجوهري هنا: هل هذه التحولات وليدة قناعة مبدئية أم مجرد مصالح شخصية؟

وإذا كانت التحولات مبنية على مبدأ الانفتاح، فلماذا يرفض النقد حين يوجه إليه؟ ولماذا يلجأ إلى أسلوب التشويه والانتقام؟ ثم كيف نفسر استعمال لغة عدوانية في مواجهة المختلفين معه؟

اللافت أن بعض الأصوات، مثل العضوة ياسمين بحزب اخنوش ، تدعو إلى احترام حرية اختيارات الجراري، لكنها في المقابل تهاجم من ينتقدونه وتصفهم بأوصاف مسيئة مثل “باعوض” و”باردين الكتاب”و”مرضى” و”مزابل”… هذا التناقض يكشف أن الدعوة إلى الحرية عند هؤلاء ليست سوى شعار يرفع في وجه الخصوم، بينما الممارسة الواقعية تقوم على الإقصاء والتمييز.

إن التسامح الحقيقي يقوم على الحوار واحترام الرأي الآخر، لا على التجريح أو تحويل المعارض إلى عدو. فالاختلاف السياسي يجب أن يكون أداة للبناء والتطوير، لا وسيلة للإقصاء وتكريس الاستبداد. وإذا كان المؤسسات جادة في مسارها الديمقراطي، فعليها أن تحمي حرية التعبير للجميع، سواء كانوا من داخل الأحزاب أو من خارجها.

لقد تعب المغاربة من لعبة التضليل والانقلابات المتكررة على المواقف. وهم لا ينتظرون أسماء تتنقل بين حزب وآخر، بل يتطلعون إلى قادة مبدئيين يحافظون على كرامتهم ولا يبيعون مواقفهم من أجل مصلحة شخصية أو منصب عابر.

السياسة ليست لعبة، ولا تدار بأدمغة الناس كأنها ملعب تجارب. السياسة مسؤولية تبنى على المبادئ، والشفافية، والاحترام. وإذا غابت هذه الأسس، فلن تبقى إلا لعبة عقيمة لا تغير سوى الأقنعة، وتعيد إنتاج نفس المشهد بوجوه مختلفة.ولكن لا عجب فمن تعلم التمثيل في المسلسلات لن يجد أدنى عناء في التمثيل على المواطنين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى