العالمالمغرب

البوليساريو… وثائق بلا شرف، ودبلوماسية تُعرض في المزاد دون مشترٍي

في مشهد يكاد يلخص السقوط المدوي لمشروع الانفصال، خرج حزب العمال الاشتراكي الإسباني، أحد أعرق تشكيلات اليسار الأوروبي، ليقولها بوضوح: لا اعتراف بوثائق تصدر عن كيان لا وجود له في القانون الدولي. فالوثائق التي تحمل أختام جبهة البوليساريو لم تعد تصلح حتى لمسح غبار الرفوف في مكاتب الهجرة الإسبانية، فما بالك أن تُعتمد كأساس لمنح الجنسية أو الإقامة!

رفض الحزب الحاكم في إسبانيا الاعتراف بوثائق البوليساريو في ملفات الجنسية لم يكن مجرد إجراء إداري، بل هو بيان سياسي عميق الدلالة: “أنتم لستم دولة، ولا جهة رسمية، ولا حتى كيانًا يستحق مجاملة شكلية.” ومن هنا، تتهاوى كل أحلام الانفصال التي بُنيت على وهم الشرعية الدولية والدعم الخارجي. لم يكن هذا الرفض وليد اللحظة، بل يأتي استمرارًا لموقف صارم عبّر عنه الحزب نفسه سنة 2022، حين صوت ضد مبادرات مشابهة كانت تهدف إلى التلاعب الرمزي بفكرة “الشعب الصحراوي” واستغلالها لابتزاز الرباط.

أما عناصر جبهة البوليساريو، فقد تحوّلوا اليوم إلى نسخة سياسية مشوهة عن “عاهرة دبلوماسية”، تعرض نفسها على قارعة المجتمع الدولي منذ عقود، تبحث عن زبون سياسي يشتري بضاعتها البائرة، أو على الأقل يساومها، لكن لا أحد يكترث. حتى الدول التي كانت تدعمها بدأت تغسل يديها منها في صمت، فيما أصبح المدافعون عنها في أوروبا أقرب إلى فلكلور أيديولوجي يعود إلى زمن الحرب الباردة.

الأكثر مأساوية في المشهد أن الوثائق التي تصدرها الجبهة لم تعد ذات قيمة حتى داخل مخيمات تندوف، فما بالك على طاولة الإدارات الإسبانية. إذ كيف يمكن لحزب يحكم في أوروبا، ويراهن على علاقات استراتيجية مع المغرب، أن يغامر بالاعتراف بأوراق تأتي من جهة تُمارس سلطة وهمية فوق أرض لا تملكها، وتستغل اللاجئين كأدوات تفاوض أكثر من كونها رعاية إنسانية؟

إن قرار حزب العمال الاشتراكي الإسباني هو بمثابة كشف حساب أخلاقي لجبهة تدّعي تمثيل شعب، بينما تفتقد أي قاعدة شرعية، وتستمد وجودها من تقارير منظمات مأجورة أو متقاعدة عن القضايا الفعلية للعالم. لم تعد هناك مساحة حتى للمجاملات السياسية، ولا لمناورات “الحياد الإيجابي”. لقد سقط القناع، وانكشفت اللعبة. الجبهة التي أرادت اللعب بورقة “الحقوق التاريخية” وجدت نفسها بدون خرائط، ولا وثائق، ولا شرعية، ولا حتى تعاطف رمزي في دواليب القانون.

وهكذا، لم يعد أمام البوليساريو إلا مواصلة عرض بضاعتها السياسية الكاسدة في سوق مغلق، تصرخ وتُلوّح بشعارات التحرر، بينما العالم مشغول بما هو أهم: الأمن، الاستقرار، ومصالح واقعية لا تُبنى على الرمال. إنها نهاية متوقعة لكيان وُلد خارج التاريخ، ويريد فرض نفسه خارج الجغرافيا.<< الولد قال لأبيه نريد أن نصبح شرفاء، أجابه: الناس الذي يعرفوننا لازالو أحياء>>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى