العالم

الاقتصاد الجزائري رهينة النفط والغاز… والإفلاس يلوح في الأفق

يعاني الاقتصاد الجزائري من ارتهان شبه كامل لعائدات المحروقات، حيث تشكل ما بين 95% و98% من إجمالي صادرات البلاد، وتمثل نحو 75% من مداخيل الميزانية السنوية. هذه التبعية المطلقة تُعد تهديدًا وجوديًا للجزائر، التي تظل عرضة لتقلبات أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية.

والمفارقة أن هذا الوضع كان بالإمكان تفاديه، لولا أن الدولة الجزائرية، ومنذ الاستقلال، اختارت طريق الريع على حساب الرؤية الاقتصادية المستقبلية. فالأزمات التي عصفت بالبلاد في 1986، 1990 و1994 لم تكن كافية لتحفيز مسار التنويع الاقتصادي.

في هذا السياق، يقول سيد أحمد غزالي، الوزير الأسبق والرئيس المدير العام السابق لشركة “سوناطراك”، في تصريح لجريدة الوطني سنة 2015:

“أخشى من انهيار لا مفر منه… نحن نعيش، بعد 53 سنة من الاستقلال، على نعمة ثروة وحيدة، ناضبة، ولم نصنعها نحن. الجزائر من الدول القليلة -وربما الوحيدة– التي تعيش حالة هشاشة بهذا المستوى: 99% من وارداتنا، بما فيها قمح الخبز، تُدفع من عائدات المحروقات. من المسؤول؟ إنه نظام غارق في اقتصاد الريع.”

اليوم، ورغم تراجع احتياطات النفط وارتفاع الاستهلاك الداخلي، لا تزال الجزائر تُراهن على نفس المصدر الوحيد، في وقت يُحذر فيه الخبراء من أن البلاد ستصل خلال السنوات القليلة المقبلة إلى عجز في تلبية الحاجيات الأساسية لشعب يتزايد عدده، دون قاعدة إنتاجية بديلة، ودون مصادر دخل أخرى بالعملة الصعبة.

ووفق وزارة الطاقة الجزائرية، فإن الاستهلاك الداخلي من النفط سيُشكل 80% من إجمالي الإنتاج بحلول 2030، ما سيُقوض بشكل خطير القدرة التصديرية للبلاد. هذه الوضعية تعود إلى سياسات الدعم المكلفة وغير المستدامة للطاقة، التي شجعت على الاستهلاك المفرط.

على مستوى النفط، تمتلك الجزائر ما بين 10 و12 مليار برميل كاحتياطات، وتُسهم بـ1,4% فقط من الإنتاج العالمي. في الربع الأول من 2024، كانت أبرز الدول المستوردة للنفط الجزائري هي فرنسا (68.800 برميل/يوم)، إيطاليا (55.900)، وهولندا (44.500)، وهي أرقام تبقى محدودة على مستوى السوق العالمية.

أما بالنسبة للغاز، فالإنتاج السنوي يُقدّر بحوالي 130 مليار متر مكعب، ما يعادل 2,4% من الإنتاج العالمي. لكن، نصف الإنتاج تقريبًا يُستهلك محليًا (نحو 63 مليار م³)، ويُهدر نحو 20 مليار م³ في عمليات “التورش” (الاحتراق في الهواء). ما يعني أن الكميات المتاحة فعليًا للتصدير لا تتعدى 40 إلى 50 مليار م³.

رغم هذا، تمكنت الجزائر سنة 2024 من تصدير حوالي 48,7 مليار م³ من الغاز، منها أكثر من 40 مليار م³ نحو أوروبا. غير أن هذا الرقم لا يُمثل سوى 8% من حاجيات الاتحاد الأوروبي السنوية (520 مليار م³)، ما يُضعف من قدرة الجزائر على التأثير في السوق الأوروبية، التي تُعد تقريبًا الزبون الوحيد لها.

السلطات الجزائرية تُراهن على اكتشافات جديدة في مناطق بشار، عين صالح، جانت، إليزي وورقلة، والتي يُفترض أن تُرفع الإنتاج إلى 200 مليار م³ “على المدى المتوسط”، حسب وزير الطاقة محمد عرقاب. لكن، حتى لو تحققت هذه الأرقام، فإن الثلث منها على الأقل سيُخصص للسوق الداخلية، مما يعني أن الصادرات لن تتجاوز في أحسن الأحوال 80 إلى 90 مليار م³، وهو رقم يظل ضعيفًا مقارنة بالسوق الأوروبية.

الخلاصة أن الجزائر، بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، ما زالت عاجزة عن فك ارتباط اقتصادها بالريع الطاقي، وهي تسير نحو أزمة مالية خانقة في المستقبل القريب إذا لم تُنفذ سياسات اقتصادية عاجلة وجذرية لتنويع مصادر دخلها، وتقليل الاعتماد على المحروقات، قبل أن تجد نفسها أمام واقع الإفلاس الاجتماعي والمؤسساتي الكامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا