العالمالمغرب

الاعتراف البريطاني بمغربية الصحراء يربك الجزائر ويكشف ازدواجية خطابها الدبلوماسي

في خطوة دبلوماسية وازنة، أعلنت المملكة المتحدة، يوم الأحد، عن دعمها الرسمي لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل “واقعي، جاد وذي مصداقية” لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية. وجاء هذا الموقف عبر بيان مشترك وقعه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ونظيره المغربي ناصر بوريطة، خلال زيارة رسمية للرباط، ما شكل تحولا نوعيا في تعاطي إحدى القوى الدائمة العضوية في مجلس الأمن مع هذا الملف الإقليمي المعقد.

هذا التحول البريطاني لم يكن مفاجئا في سياقه الاستراتيجي، لكنه أماط اللثام مجدداً عن هشاشة الخطاب الجزائري وتناقضاته الواضحة في مواجهة الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء. فكما حدث مع المواقف الصادرة عن واشنطن ومدريد وباريس، لجأت الجزائر إلى إصدار بيان مقتضب أعربت فيه عن “الأسف الشديد”، دون أن تتخذ أي خطوات تصعيدية حقيقية كما فعلت سابقاً مع عواصم أخرى.

ويبرز هذا التباين في ردود الفعل الطابع الارتجالي للدبلوماسية الجزائرية، التي تتعامل مع المواقف الدولية بناء على موازين القوى لا على أساس مبدئي أو ثابت دبلوماسي. فعندما يتعلق الأمر بدولة كبرى مثل بريطانيا، لا تجد الجزائر من سبيل سوى التعبير عن “الأسف”، بينما تلجأ إلى التصعيد وإجراءات المقاطعة مع دول تعتبرها “أقل كلفة” في المعادلة السياسية.

ويعكس هذا الموقف ضعفاً دبلوماسياً واضحاً لدى النظام الجزائري، وعجزه عن إقناع أي فاعل دولي مؤثر بأطروحته الانفصالية، رغم ما ينفقه من موارد هائلة على الدعاية الإعلامية والدبلوماسية. كما يُظهر محدودية فعالية ورقة الابتزاز بالغاز، التي فقدت جدواها مع تغير خريطة التزود العالمي بالطاقة، خاصة في ظل تراجع أهمية الغاز الجزائري في السوق البريطانية والأمريكية، وحتى الأوروبية.

وفي مقابل هذا التخبط الجزائري، يواصل المغرب تعزيز حضوره الدبلوماسي ودعمه الدولي، بفضل مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بإشادة واسعة باعتباره حلاً واقعياً يضمن الاستقرار ويكرس السيادة المغربية في إطار مسار تفاوضي أممي.

ويعتبر الموقف البريطاني، من الناحية السياسية، أكثر من مجرد إعلان دبلوماسي. فهو يمثل تموقعاً استراتيجياً يعكس إدراك لندن لثوابت الجغرافيا السياسية في شمال إفريقيا، ورغبتها في تعزيز التعاون مع شريك موثوق ووازن كالمغرب، خصوصاً في ظل دينامية التنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية.

في المقابل، يواصل النظام الجزائري تبني خطاب مزدوج، يرفع شعار “تقرير المصير” في الخارج، بينما يضيق على الحريات داخلياً، ويواصل قمع المعارضين وتكميم الأفواه، في تناقض صارخ مع ما يدعيه من دعم لحقوق الإنسان والشعوب.

وتؤكد هذه التطورات أن العالم يتجه بثبات نحو تبني المقاربة المغربية، بينما يجد النظام الجزائري نفسه معزولاً، في موقع رد الفعل، يكتفي بإصدار البلاغات الإنشائية الموجهة للاستهلاك الداخلي، في وقت تتساقط فيه أوراق الدعاية الانفصالية الواحدة تلو الأخرى.

الاعتراف البريطاني ليس فقط تتويجاً دبلوماسياً للمغرب، بل ضربة رمزية ومعنوية جديدة للمشروع الانفصالي، ورسالة واضحة إلى المجتمع الدولي: أن الحل يكمن في الواقعية، وأن أطروحة الانفصال تجاوزها الزمن، وأن وقت المراجعة في الجزائر قد حان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى