
دخلت الأوضاع داخل القطاع الصحي بإقليم صفرو مرحلة جديدة من الاحتقان، في ظل تصعيد نقابي تقوده النقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، احتجاجاً على ما تعتبره تمريراً متسرعاً لإصلاحات كبرى دون توفير الشروط القانونية والمالية والاجتماعية الكفيلة بضمان حقوق الشغيلة وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
فبعد جولات من الاحتجاج على الصعيد الوطني، كانت النقابة تنتظر، بحسب بيان مكتبها الإقليمي بصفرو، تفاعلاً حكومياً إيجابياً مع مطالب وصفتها بالمنطقية والمعقولة، غير أن الرد الرسمي جاء، وفق تعبيرها، عبر الإسراع في تعميم نظام “المجموعات الصحية الترابية”، مع تقديم تجربة جهة الشمال كنموذج ناجح، رغم حداثة انطلاقها وعدم استكمال هياكلها التنظيمية والمؤسساتية.
وتثير النقابة جملة من التساؤلات الجوهرية حول هذه التجربة، التي لم يتجاوز عمرها شهرين، وفي مقدمتها غياب انتخابات ممثلي المهنيين داخل مجالس الإدارة، وعدم وضوح الرؤية بشأن توازنها المالي وآليات تمويلها المستدام. كما عبّرت عن تخوفات كبيرة مرتبطة بما أسمته “التمويل المبتكر”، القائم على بيع الأصول وكرائها بعقود طويلة الأمد، دون تقديم ضمانات حول انعكاساته المستقبلية على القطاع العمومي للصحة.
وترى النقابة أن هذه الإصلاحات تُفرض في سياق يتسم أصلاً باحتقان شديد، نتيجة تعثر صرف تعويضات الأطر الصحية بمختلف فئاتها، وتأخر مستحقاتهم لسنوات طويلة، إلى جانب غياب نصوص قانونية واضحة تحمي مكتسباتهم وتؤطر وضعيتهم المهنية. وهو ما تعتبره مؤشراً على خلل عميق في الحكامة، يقابله تجاهل حكومي وانتهاج سياسة الأمر الواقع بدل الحوار والتشارك.
وفي هذا السياق، شدد المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للصحة بصفرو على أن الإقليم ليس استثناءً، بل يعاني منذ سنوات من التهميش وضعف البنيات الصحية، سواء من حيث الموارد البشرية أو التجهيزات أو توفر الأدوية والتخصصات الحيوية. وضعٌ ينعكس سلباً ليس فقط على ظروف عمل الشغيلة الصحية، بل أيضاً على حق المواطنين في الولوج إلى خدمات صحية عمومية لائقة.
وانطلاقاً من هذا التشخيص، أعلن المكتب الإقليمي عن تنفيذ وقفة احتجاجية أمام المندوبية الإقليمية للصحة بصفرو، يوم الأربعاء 17 دجنبر 2025 على الساعة الواحدة بعد الزوال، في إطار البرنامج النضالي التصعيدي الذي يخوضه التنسيق النقابي الوطني. كما قرر الاستمرار في حظر الوقفة الوطنية المقررة يوم 20 دجنبر 2025، وكافة الأشكال النضالية المعلنة، إلى حين الاستجابة الكاملة لما يصفه بالمطالب العادلة والمشروعة للشغيلة الصحية.
ويعكس هذا التصعيد، وفق متابعين للشأن الصحي، عمق الأزمة التي يعيشها القطاع، حيث تتقاطع رهانات الإصلاح مع مخاوف التفكيك وفقدان المكتسبات، في غياب حوار اجتماعي جاد يوازن بين تحديث المنظومة الصحية وصون حقوق العاملين بها، وضمان حق المواطن في خدمة صحية عمومية ذات جودة وعدالة مجالية.




