أقلام حرةصفرو

إقليم صفرو : حين يتخفى السحر وراء لافتة الطب البديل

بقلم : محمد ابو سلمى
وأنت جالس في مكان عام داخل مقهى أو محل تجاري، إذا بفتية صغار السن يقتربون منك ببراءة ظاهرية ويوزعون منشورات ملوّنة، ما إن تتناول إحداها حتى تتفاجأ أنك أمام إعلان صريح لجلسة شعوذة أو عرض سحر في وضح النهار، تحت شعارات براقة من قبيل التداوي بالأعشاب أو الطب النبوي، بل أحياناً بوعود مغرية مثل جلب الحبيب وفك السحر وعلاج العين وطرد الجن، لحظة صادمة تجعلك تكاد لا تصدق أن الوهم يُسوّق علنًا بهذه الجرأة وكأنه خدمة عمومية متاحة للجميع.

هذا النوع من الترويج لا يقتصر على بيع أو خلط الأعشاب، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة إضفاء قداسة على ممارسات لا علاقة لها بالطب البديل، ولا تمت بصلة للمعرفة الطبية أو حتى للتداوي الشعبي المبني على تراكم التجربة، ما يجري هو عملية تمويه ممنهجة، حيث تُلبس الخرافة لبوس العلم والدين لتسويق الوهم على أنه علاج، في استغلال صارخ لحاجة الناس الماسة إلى الصحة والشفاء.

المخاطر هنا متعددة، صحية حيث يلجأ المرضى إلى وصفات مجهولة المصدر عوض مراجعة الأطباء، مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى مضاعفات خطيرة أو تأخير العلاج، ونفسية واجتماعية، حيث يعيش البعض أسرى أوهام العاشق الخفي والجن المتلبس، بدل مواجهة مشاكلهم الحقيقية بوعي وعقلانية، الأخطر أن الظاهرة تنخر ثقة المجتمع في العلم والمؤسسات الصحية، وتفتح الباب واسعاً أمام أسواق سوداء من السحر والشعوذة تستنزف الجيوب وتعظم الجهل.

وما يغذي هذه الظاهرة أكثر هو ضعف العرض الصحي وقلة الإمكانيات المتاحة، وغلاء الأدوية وصعوبة الولوج إلى العلاج المتخصص، خاصة في الجانب النفسي، إذ أن المواطن المغربي في الغالب لا يعترف بوجود أمراض نفسية مثل الاكتئاب، ويعزيها مباشرة إلى عمل من قوى خفية، هذا الإنكار يجعل من السهل على المشعوذين أن يجدوا مكانهم داخل الفراغ العلاجي، وداخل الهواجس الشعبية التي تفسر الألم النفسي بأنه سحر أو عين أو جن.

هنا لا بد من التوضيح أن الأعشاب الطبيعية لها فوائد حقيقية إذا استُعملت في سياقها الصحيح المبني على أسس علمية وتجارب مثبتة، لكن المشكل يكمن في استغلالها كغطاء لترويج الخرافة والدجل، وتحويلها إلى وسيلة للإيقاع بالناس البسطاء.

أمام هذا الوضع تقع مسؤولية جسيمة على عاتق السلطات العمومية، التي يتوجب عليها مراقبة مثل هذه الأنشطة بحزم، باعتبارها أشكالاً من التضليل والنصب العلني، ومظاهر تهدد السلم الاجتماعي والصحة العامة، التصدي لا يجب أن يقتصر على مصادرة المنشورات، بل يتطلب محاسبة منظمي هذه الجلسات ومروجيها، كما أن للعلماء والوعاظ دوراً محورياً في توضيح الفهم الصحيح للطب النبوي، وتنقية الدين من الدجل الذي يُلصق به عن قصد وبدونه.

في المقابل، يظل الرهان الأكبر على المدرسة باعتبارها الفضاء الأمثل لترسيخ العقل النقدي لدى الناشئة، وتعليمهم التمييز بين المعرفة الحقيقية والوهم، وبين التداوي المشروع المبني على التجربة والعلم، وبين الخرافة المعبأة في قوارير براقة، التوعية الدينية السليمة والتربية العلمية الرصينة هما خط الدفاع الأول ضد كل محاولات إحياء سوق الدجل في ثوب جديد.

إن محاربة هذه الظاهرة ليست حرباً على الأعشاب الطبيعية، ولا على الطب البديل حين يكون مبنياً على أسس علمية وتجارب مثبتة، بل هي حرب ضد الاستغلال والتمويه، وضد تحويل جهل الناس إلى تجارة مربحة، من حق المواطن أن يعالج نفسه، ولكن ليس من حق أحد أن يبيع له الوهم على أنه دواء، فالمجتمع الذي يسمح بانتشار الشعوذة يفتح الباب لمستقبل غامض عنوانه الجهل والهشاشة وفقدان الثقة في العلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى